تمر صناعة النفط والغاز بمنعطفات مهمة منذ بدأت أسعار النفط في النزول في منتصف عام 2014، وما زال هناك جدل واسع ما إن كان الانخفاض الأخير في أسعار النفط مشابهاً للانخفاضات الدورية السابقة أم أن هناك مؤشرات على تغيرات هيكلية، وربما جذرية في هذه الصناعة، خاصة في مجال العرض والطلب. ليس هناك جدل في أن ثورات التكنولوجيا الأخيرة مثل التكسير الهيدروليكي لطبقات النفط والغاز المصمتة أو ما يسمى بالموارد غير التقليدية، خاصة في أميركا الشمالية، وربما في مناطق أخرى من العالم ساهمت في زيادة الإمدادات البترولية وخلق مرونة جديدة في هذه الصناعة، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال أكبر منتج للغاز في العالم وزادت من إنتاج النفط بأكثر من 5 ملايين برميل في اليوم في السنوات الأخيرة، ولكن الانخفاض الأخير لأسعار النفط شكل تحدياً واضحا في تطوير الموارد غير التقليدية، وذلك لكلفتها العالية. في المقابل، هناك دلائل واضحة على انخفاض الطلب على النفط في الدول المتقدمة بسبب زيادة الكفاءة وتغير النمط السلوكي للأفراد في ما يختص بالمواصلات والتنقل، بينما لا يزال النمو على الطلب في الدول الآسيوية، خاصة الصين والهند نشطاً مع تطلعات جيدة للنمو المستقبلي، وبحسب الدراسات والمؤشرات الأخيرة، فإنه من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط بمقدار 1% في المستقبل القريب والمتوسط. على المدى البعيد، تواجه الصناعة تحديات مهمة، منها ظاهرة التغير المناخي وما سيصاحبها من سن قوانين، ربما تحد من استخدام الوقود الأحفوري، وكذلك التطور التكنولوجي في مجال المواصلات، خاصة منافسة السيارات الكهربائية للسيارات التقليدية. لكن لا بد من ملاحظة أنه مع كل المتغيرات المستقبلية في قطاع المواصلات والنمو الاقتصادي المتوقع عالمياً وزيادة نسبة الطاقة المتجددة، فإن الوقود الأحفوري سيمثل النسبة الأكبر بمقدار 75% من احتياجات الطاقة عالمياً في سنة 2035، كما تشير الدراسات الأخيرة لمنظمة الطاقة العالمية. إذاً ما هي الخيارات المطروحة لصناعة النفط والغاز للتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية والتشريعية المستقبلية؟ هناك جهود حقيقية من قبل شركات النفط العالمية والوطنية للاستثمار في تقنيات تساعد على الحد من الانبعاثات الكربونية، كالتقاط ثاني أكسيد الكربون من محطات توليد الطاقة والمنشآت الصناعية. وهذه النوعية من التقنيات والتمدد بها من الممكن أن تساعد صناعة النفط والغاز لإعادة طرح الصناعة كمحرك مستدام للازدهار الاقتصادي بأقل تأثير بيئي. وفي هذا المجال تقوم إمارة أبوظبي وفي ضوء صناعتها النفطية العريقة بدور نشط في هذا المجال عبر التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من إحدى المنشآت الصناعية ومن ثم حقنه في أحد الحقول البرية، وبالتالي زيادة استخلاص النفط من بعض طبقات هذا الحقل والمساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية. كما أن تقليل حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط يشكل عبئاً على الصناعة في أماكن مختلفة من العالم. هناك مجال كبير للصناعة لتقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة من عمليات حرق الغاز المصاحب وتوفير بيئة أكثر استدامة، حيث بلغت بعض التقديرات أن صناعة النفط تقوم بحرق ما يقارب 13.7 مليار قدم مكعبة في اليوم أي ما يعادل الانبعاثات الكربونية لـ 175 ألف سيارة يومياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إمارة أبوظبي تبنت سياسة ذات رؤية بعيدة الأفق منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي لتقليل حرق الغاز المصاحب والوصول إلى مستويات منخفضة جداً وربما تكون معدومة في معظم الأوقات. ... المزيد
مشاركة :