د.فوزية أبو خالد مستفتح أجلت وقت الكتابة لهذا الأسبوع إلى فجر الثلاثاء على خلاف الوعد الذي قطعته على نفسي عند رئيس التحرير بإرسال المقال باكرا بعد مساجلات غلبني فيها عن معاناة الجريدة معي من التأخير. أما سبب التأجيل هذه المرة فهو أنني أردت أن أكتب مقالا طازجا عن زيارتي لمجلس الشورى وبما أن الزيارة كانت مقررة صباح يوم الاثنين 31 أكتوبر، فقد كان لا بد أن تصبر الجريدة لأسلمها المقال صبح الثلاثاء نظرا لأن جدولي المشحون لم يسمح بأن أجلس لكتابة المقال طوال نهار الاثنين مما اضطرني للكتابة بعد أن ذهبت كل الأسرة للنوم، ولم يكن ذلك إلا الساعة الثانية بعد منتصف الليل. لماذا زيارة مجلس الشورى جاءت هذه الزيارة المنتظرة إلى مجلس الشورى بعد طلب تقدمت به زميلة الجامعة وصديقة الحرف د. هتون أجواد الفاسي باسمها وباسمنا ونحن عدد من الأكاديميات وكاتبات الرأي بالرغبة في حضور جلسة من جلسات المجلس والاطلاع عن قرب على طبيعة العمل فيها. وكان بعضنا من جدة ومكة وبعضنا من الرياض. وقد تيسر أمر الموافقة وحددت إدارة المجلس النسائية موعدا لاستقبالنا. وبما أن الهدف من الزيارة في تقديري الشخصي على الأقل كان التعايش ميدانيا ولو لبضع ساعات محدودة مع تجربة الشورى والاطلاع بالخبرة المباشرة، وليس بالسماع أو القراءة فقط،على التجربة الشورية بدءا من رائحة وملامح المكان وليس انتهاء بالالتقاء بالأشخاص المنخرطين في التجربة، وذلك بالحضور حضور شاهد العيان وليس الحضور النيابي،فإن هذا هو الجانب المحدد الذي سأتناوله في الحديث عن الزيارة أي الزيارة كتجربة ميدانية وإن كانت لحظية في الدخول إلى مجلس الشورى. محطات زيارة مجلس الشورى 1 بدأت التجربة من اللحظة التي اكتشفت فيها لأول مرة عن قرب، المنطقة الراقية التي تم بناء مجلس الشورى على أرضها بحي الهدى طريق مكة المكرمة. بدت لي من الوهلة الأولى منطقة مقر مجلس الشورى منطقة تنعم بالدعة والوداعة والهدوء والنظافة والتشجير بما يصلح أن يكون نموذجا يهدى إلى مجالس البلدية بجميع مناطق المملكة علهم يكتشفون ما ينقص معظم أحياء البلاد من جمال وإرادة. وقد دعوت الله أن يكون جمال الحي لمقر مجلس الشورى ملهما ليعمل المجلس على أن تكون جميع أحياء البلاد على تلك الهيئة البيئية النظيفة. 2 تميز الدخول إلى مقر مجلس الشورى عبر جميع البوابات التي كان علينا أن نعبرها لنصل إلى بوابة مدخل النساء للمجلس، باليسر وببشاشة جميع من قابلناهم من رجال الأمن بمجرد أن يعرفوا أننا من مجموعة الأكاديميات وكاتبات الرأي، حتى أن أحدهم كان من الأريحية الأخوية أن سألني وإن على عجالة عن إمكانية وجود وظائف لشابات بالجامعات من خريجات الجامعة في غير الوظائف الأكاديمية. كان مدخل السيدات لمقر المجلس على خلاف البوابات الخلفية المعتادة كمدخل للنساء في بيوتنا ولمعظم أقسام النساء في الوزارات ليس مدخلا مزويا ومشوها بل على العكس من ذلك كان مدخلا إنسانيا مزينا بنافورة أمام البوابة في رمزا مقصودا أو غير مقصود لعلاقة الخصب والنماء والرخاء في معانيها الإنسانية بالماء. 3 في الطابق الثاني من قسم الإدارة النسائية كان في استقبالنا طاقم من الموظفات السعوديات اللاتي تفانين في حسن الاستقبال من ناحية وفي محاولة إعطاء فكرة عن البنية الإدارية المساعدة في تدبير سير العمل بمجلس الشورى. كان في استقبالنا أ. رشا الشبيلي أ. ريما سيف الإسلام آل سعود وأ. هيفاء الغانم. عرفنا أن الإدارة النسائية تتكون من ثلاثة أقسام إدارية وأنها تشتمل على 98 موظفة بتخصصات مختلفة من ضمنها القيادة والقانون والحقوق. وبما أن أ. ريم سيف الإسلام هي التي تولت مع أ.هيفاء الغانم اصطحاب وفدنا الزائر الصغير في رحلة تعريفية على المبنى وقاعات الاجتماعات وعلى مكتبته وعلى مجسماته الوثائقية فقد تعرفنا عن قرب أكثر على طبيعة عمل إدارة العلاقات والإعلام والمراسم التي تتولى هي إدارتها بمهنية واضحة فيما لمسناه من استقبالها لنا. ويبقى أن أهم ما يمكن أن أسجله في هذه العجالة عن تلك الجولة القصيرة هو التوثيق التاريخي للتجربة الشورية كتابة وتصويرا. وأترك للتحليل الاجتماعي سؤالا معلقا وهو سؤال لماذا تأخرت وتعثرت التجربة الشورية بالمجتمع السعودي ولماذا لا زالت تعاني من بطء النمو ولين العظام رغم أنها بدأت في عمر مبكر جدا من تأسيس المملكة وذلك في العام 1327 أي قبل خمس سنوات من إعلان الدولة ككيان موحد بمسمى المملكة العربية السعودية عام 1332؟! تبقى ناحية أخرى كانت آية في الجمال لتلك الجولة التي قمنا بها تحت قبة المجلس وهي ما يتمثل في ذلك المعمار الرخامي الشاهق وذلك الزخرف الذهبي البديع والحس الإبداعي البالغ الذي خطت به الآيات على جدران القاعات أو حفرت داخل تجاويف المنصات. 4 أما المحطة قبل الأخيرة من تلك الخبرة الميدانية الخاطفة التي مررنا بها في معايشة التجربة الشورية للحظات فقد كانت حضورنا لما يقترب من أربعين دقيقة لفصل واحد من اجتماع مجلس الشورى بكامل أعضائه ليوم الاثنين قبل الماضي. حضر وفدنا الزائر الجلسة المنعقدة لذلك اليوم عبر مقصورة تشرف أو تطل على القاعة الرئيسة لاجتماعات المجلس وقد توسطها موقع رئيس مجلس الشورى معالي الشيخ عبدالله بن إبراهيم آل الشيخ الذي قام بالترحيب بحضورنا كأكاديميات وكاتبات رأي. كان مشهدا مترعا بالشجن والأشواق أن يمتد على مد البصر مرأى المواطنين والمواطنات وهم يمثلون وإن رمزيا أطياف المجتمع ووحدته في تحاور وتجاور حضاري سلمي. وليس منا في تلك اللحظة إلا وترحمت في سرها أو في علنها على ذلك الرجل البصير صاحب مبادرة الاستجابة لمطالب مجتمعه ومقتضيات العصر بدخول النساء مجلس الشورى، الملك عبدالله -رحمه الله-. وقد رأينا في تلك التجربة القصيرة الكيفية التي يدار بها خلاف الرأي في التوصيات المقدمة من قبل الأعضاء أو من قبل اللجان، حيث تعرض التوصية ثم تعطى فرصة لاثنين أو ثلاثة من مؤيديها للحديث عنها وبالمقابل تعطى فرصة لنفس العدد من المعارضين لإبداء وجهة النظر المعارضة. يجري بعد المناظرة التصويت على التوصية المقترحة بما ينتهي بتبني المجلس للتوصية أو إسقاطها بناء على معيار عدلي واضح هو صوت أغلبية أعضاء المجلس. وربما لم يكن من الضروري أن أنقل لكم هذه المعلومة المدرسية، إلا أنني لا أستطيع دائما أن أخبئ عن أعين القراء تلك الطفلة المفعمة بأبسط تفاريح الحياة. الأهم هو تلك الصدفة الرمزية التي جعلت التوصيتين التي تم طرحهما في فصل الجلسة التي حضرناها من التوصيات التي تشغلنا كأكاديميات وككاتبات. كانت التوصية الأولى تتعلق بسؤال اجتماعي واقتصادي ملح طال تعليقه وحان حسمه لصالح حق النساء في الحركة دون الوقوع تحت رحمة سائق، وهو سؤال تمكين النساء السعوديات من قيادة السيارة. وكانت التوصية الثانية تطلب اعترافا بوجود الفقر بالمجتمع السعودي ووضع خطط صريحة لانتشال كل الفئات الاجتماعية الرقيقة من الوقوع تحت خط الفقر. كأن تلك المصادفة لطبيعة موضع كل من التوصيتين (موضوع معاناة النساء السعوديات من إعاقة الحركة وموضوع الفقر) أرادت أن ترسل لنا رسالة بأن مجلس الشورى ليس بعيدا عن نبض المجتمع وأزمات الشارع السعودي أو لعله عند حسن الظن. 5 على عجل التقينا عددا قليلا جدا من زميلاتنا عضوات مجلس الشورى، وقالت إحداهن مازحة نحن السابقات وكل بنات السعودية اللاحقات. ولا زال للموضوع بقية لأن موضوع مجلس الشورى موضوع في حقيقة الأمر يتحدث عن تمثيل المجتمع السعودي ويتحدث عن السلطة التشريعية من سلطات الحكم وهو موضوع جوهري لا توفيه خبرة زيارة ميدانية واحدة لمقر مجلس الشورى والاستماع إلى القليل من مناقشاته. أجمل ما في الأمر أن كل مواطن ومواطنة له الحق بطلب الكتروني سابق في إعادة اكتشاف تجربة الشورى بما لها وبما عليها. تجربة الشورى تجربة ثرية لا تكفيها القراءة السردية وإن كانت مشوقة بل تحتاج بالإضافة للكتابة التسجيلية كتابة تحليلية وهذا ما قد أعود للكتابة عنه.
مشاركة :