الحاجة أمّ الاختراع في الأحياء الشرقية المحاصرة

  • 11/9/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يتفنن سكان أحياء حلب الشرقية في ابتكار أساليب وأدوات لتأمين حاجاتهم في ظل الحصار المفروض عليهم من قوات النظام، فيصنعون التبغ من أوراق الشجر، ويزرعون الخضار على أسطح منازلهم، وينتجون الكهرباء بالدراجات الهوائية. ويجلس خالد كردية (25 عاماً) على كرسي من جلد بني اللون أمام محله لتوزيع الإنترنت في حي كرم الجبل، ويلخص ما يعانيه سكان الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة بالقول لوكالة «فرانس برس»: «اضطررنا للعودة إلى العصور الحجرية». ويعيش سكان الأحياء الشرقية في مدينة حلب البالغ عددهم أكثر من 250 ألفاً، منذ بدء حصار قوات النظام قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وضعاً معيشياً صعباً في ظل نقص كبير في المواد الغذائية والمواد الأساسية، فضلاً عن الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي نتيجة المعارك في محيط المدينة. وعمد هؤلاء إلى ابتكار الأفكار ووسائل الاستمرار للتأقلم مع الحصار. فمن أجل تعويض النقص في جرار الغاز، ابتكر خالد «تنكة زيت» للطهو عليها وتسخين الشاي والقهوة. ويقوم بجمع الخشب في حي كرم الجبل ويضعه في «تنكة زيت مستعملة أحضرها من القمامة». ويشرح خالد اختراعه الذي وضع عليه إبريقاً تغلي داخله المياه، فيقول «ثقبت تنكة الزيت وركّبت عليها مروحة صغيرة من أجل توجيه نار الحطب وتأجيج اشتعاله». وفي ظل النقص الدائم في الوقود واقتصار التيار الكهربائي الذي تنتجه المولدات على ثلاث ساعات فقط في بعض الأحياء، بدأ سكان حلب باستخراج المازوت من البلاستيك لاستخدامه في المولدات الكهربائية. أما أبو رحمو (48 عاماً)، فبدلاً من استخدام الوقود المصنّع يدوياً، اختار أن يشحن البطاريات باستخدام الدراجات الهوائية. ويعمل أبو رحمو ميكانيكياً للسيارات في حي الأنصاري، وداخل ورشته الصغيرة يقوم الرجل الأربعيني بتلحيم مولّد كهربائي صغير (دينمو) بدراجة هوائية ويصله بعد ذلك ببطارية صغيرة تستخدم في المنازل. وتتيح البطاريات المنزلية تشغيل لمبات صغيرة الحجم أو حتى غسّالة إذا لزم الأمر. ويطلب أحد الزبائن شحن بطاريته، فيحمل أبو رحمو مع أحد العاملين لديه الدراجة الهوائية بين شوارع حلب المدمرة. وأمام منزل الزبون، يصل البطارية بالدينمو، ويصعد أحدهم على الدراجة الهوائية ويدوس بسرعة لشحن البطارية. ويقول أبو رحمو: «لا كهرباء ولا مولدات كهربائية»، مضيفاً: «أعمل في تصليح السيارات، فأقوم بتفكيك الدينمو من السيارات وتركيبه على الدراجة الهوائية». ويبيع أبو رحمو دراجاته الهوائية هذه بسعر عشرة آلاف ليرة سورية (20 دولاراً). وفي حي الكلاسة القريب، يفتح أمير سندة باب منزله الحديد ليجد دجاجته الصغيرة بانتظاره، يقوم بإطعامها قبل أن يصعد إلى سطح منزله حيث زرع ما تيسر له من بذور. ووضع أمير عشرات العلب المصنعة من الفلّين الأبيض اللون، ملأها بالتراب واعتنى بها لتنبت فيها الخضار. ويقول: «لقد نبت عندي حالياً البقدونس والفجل وقريباً سينمو السبانخ والسلق». ونتيجة النقص في المواد الغذائية، لم تتوقف أسعار المنتجات القليلة المتوافرة عن الارتفاع، فبات سعر باقة البقدونس 300 ليرة سورية مقابل 50 ليرة سورية كحد أقصى في السابق. أما كيلو الطحين فوصل إلى 1500 ليرة مقابل مئتين قبل الحصار. وكذلك ارتفعت أسعار العدس (500 ليرة مقابل 60 ليرة سابقاً) والسكّر (3000 ليرة مقابل 350) والرز (500 ليرة مقابل 50). ومنذ تعليق روسيا غاراتها الجوية على حلب قبل نحو 20 يوماً، بدأت الحياة بالعودة إلى شوارع الأحياء الشرقية وأسواقها المدمرة بعض الشيء. وبدأ السكان بالتجول في الأسواق والتبضع لشراء حاجياتهم وبينها السجائر المصنعة من ورق العنب اليابس. في أحد أسواق حي بستان القصر، يلف أحمد عويجة (43 عاماً) سيجارة، لكنها ليست مصنّعة من الدخان المقطوع، وإن وجد فبأسعار خيالية. وبات سكان الأحياء الشرقية يجمعون ورق العنب بعد تساقطه، ثم يقومون بغسله وتنشيفه قبل طحنه، ويضيفون إليه كمية صغيرة جداً من التبغ المتوافر للحفاظ على النكهة. ومن الممكن شم رائحة ورق الشجر أو رائحة اليانسون في هذه السجائر الجديدة التي ارتفع سعرها أيضاً بسبب الإقبال الكبير عليها. ويتراوح سعر السيجارة الواحدة بين 200 و300 ليرة سورية. ويضع عويجة أمامه طاولة يعرض عليها السجائر الجديدة من صناعة حلبية. ويقول: «أصبح صندوق الدخان (العادي الذي يتضمن 12 علبة) أغلى من الذهب». ويضيف: «في السابق، كنت أبيع الصندوق بـ2000 ليرة سورية، أما اليوم فبات هذا سعر السيجارة الواحدة». لذلك، استبدل بضاعته بالسجائر الجديدة. ويتابع بسخرية: «أعرف أشخاصاً اشتروا منازل وسيارات مقابل بيع كميات من الدخان الأجنبي».

مشاركة :