يهدف هذا الكتاب "الرواية النسوية الاماراتية" للناقد د. سمر روحي الفيصل إلى قراءة ما أنجزته الروائية الإماراتية في حقل الخطاب الروائي، وما القسم الثالث منه وهو خاص بالرواية الاماراتية في رحاب الرواية الخليجية إلا محاولة من محاولات اتساع الرؤية، تبعا للحاجة الأدبية إلى معرفة موقع الرواية النسوية الاماراتية من مثيلاتها في دول الخليج العربية قبل تعرف الموقع نفسه النسوية العربية. ورأى أن اهتمام الكاتبات الإماراتيّات بالرّواية، وحِرْصهنَّ على أن تكون لهنَّ يدٌ طولى فيها. جعلهن يصدرن في عشرين عاماً ونيِّفٍ (بين 1990– 2012) سبعاً وعشرين رواية، في حين أصدر الروائيون الإماراتيّون في أربعين سنة (بين 1971– 2012) أربعاً وأربعين رواية، اثنتا عشرة رواية منها لروائيّ واحد، هو علي أبو الرّيش. وقال الفيصل "على الرغم من أن الأرقام السابقة تشير إلى غلبة الاهتمام النسوي في الحقل الروائي، فإن أمرين بدآ يؤثِّران في الإقبال على الرواية النسوية الإماراتية، هما التأثر الأدبي العام بزمن الرواية، وشيوع الظّاهرة الأدبيّة العربية القاضية بوجوب الانتقال إلى حقل الرواية حتّى يستكمل الوجود في السّاحة الأدبيّة. إذ إن الاعتقاد السائد هو أن حياة القاص تبقى ناقصة في الحياة الأدبية ما لم يصبح روائيا. وهذان الأمران كفيلان في العقد القابل بتجسيد الغلبة النِّسويّة الروائية على القصّة النسوية القصيرة التي تبدو الآن أكثر ازدهاراً في الأدب الإماراتي". وقد قسم الفيصل كتابه الصادر أخيرا عن وزارة الثقافة وتنمية المعرفة التي عرضته في جناحها بمعرض الشارقة الدولي للكتاب الدورة 35 ضمن 20 كتابا في عام القراءة الإماراتي، إلى ثلاثة أقسام حظي القسم الثالث بعدد كبير من الفصول التي بلغت الخمسة وعالجت الرواية النسوية الاماراتية من خلال خمس قضايا شغلت بها الروائيات في أعمالهن وهي قضايا السيرة الذاتية وتمرد الزوجات والسلوكيات المسكوت عنها والزواج والعلاقات الاجتماعية وأخيرا فصل الاحتجاج النسوي. وأشار الفيصل إلى أنه على الرّغم من أنّ هناك أموراً أخرى كانت موضع احتجاج الرواية النسوية الإماراتية، فإنّ الحديث عنها لم يشغل الروائيات الإماراتيات كثيراً. من ذلك اعتقاد الرجل أن حياته الأُسرية لا تستقيم إذا لم تنجب زوجته ذكراً يحمل اسمه، ويحافظ على نسبه. وقد أشارت آمنة المنصوري في رواية "عيناك يا حمدة" إلى هذا الأمر حين جعلت الأسرة تحلم بالولد الذَّكر بعد عدد من الإناث، ولكن المولود جاء أنثى، فعدها أبوها شؤما على الأسرة، وسماها "حمدا" مدَّعياً أنّ المولود ذكر. بيد أن هذه المشكلة لم تشغل الرّواية، إذ إنّ الأمّ أنجبت بعد ذلك مولوداً ذكراً، سمّاه أبوه "حمداً"، وجعل اسم الأنثى السابقة "حمدة". من ذلك أيضاً الخلل العاطفيّ الذي تشعر به الفتاة حين تطلَّق أمها، وتبتعد عنها. وهذا ما انصرفت إليه رواية فاطمة السّويديّ "أوجه المرايا الأخرى"، حين جعلت "مهرة" تعيش في منْزل جدَّتها بعد طلاق أمها من أبيها وزواجها بآخر منعها من اصطحاب ابنتها "مهرة" معها. بيد أن هذا الأمر لم يخلِف في "مهرة" أية صراعات عصابية، إذ إنّها عاشت في كنف جدّتها وعمّها "عمران"، وحظيت برعايتهما على الرّغم من غياب أبيها كثيرا عن المنزل. ومن ثم لم تتحول قضية شعور الفتاة بالحرمان العاطفي من أمها إلى تدمير عاطفي لحياتها. وأضاف "ليس من الاحتجاج في شيء أن تعكس المرأة الأمور التي يتبنّاها المجتمع الذّكوري. فهذا المجتمع يجعل الرّجل يؤمن أنّ ملكيّة الفتاة تنتقل من أبيها وأخيها إليه بعد زواجه بها، وصيرورتها زوجته وأمّ أولاده. ولكنّ إيمان المرأة المقهورة أحياناً بأنّها أهل للقهر يدفع بعض المقهورات إلى الاعتقاد أنّ الزَّوج ملك للزّوجة وحدَها، لا يمكن لغيرها أن تشاركها فيه. وهذا ما عالجته ميسون القاسميّ في رواية "ريحانة"، حين جعلت ريحانة ترجع من القاهرة إلى الشارقة لتنتقم من زوجها الذي تزوج أخرى بعد غيابها عنه سنوات عدّة. ولا علاقة لهذا الأمر بالاحتجاج النّسويّ الرّوائيّ؛ لأنّ جوهر قضيّة المرأة يكمن في السّعي إلى المساواة بين الجنسين، وفي التَّحرُّر من مفهوم الملكيّة وما يرتبط به من شؤون وشجون. ورأى الفيصل إلى أنه ليس من الرواية النسويّة الإماراتية في شيء أن تعالج الروائيّة موضوعاً عاما لا علاقة له بقضية المرأة. كما هي الحال في موضوع الهجرة من البلد العربيّ إلى بلد آخر أجنبيّ في رواية باسمة يونس "ملائكة وشياطين". فأسباب الهجرة ونتائجها الوخيمة على الأسرة في مغتربها، من إدمان الأخ، وانحراف الأخت إلى البغاء، وانتقام السّاردة من الطّبيب الذي حاول ابتزازها، أشياء مرتبطة داخل النص الروائي بالآثار المدمِّرة للأسرة العربيّة حين تحلُّ في بلد أجنبيّ مغاير في عاداته وتقاليده لما استقرَّ عليه البلد العربيّ الذي جاءت منه. والأشياء نفسها، خارج النّصّ الرّوائيّ، مرتبطة بظروف موضوعيّة دفعت بعض الأسر الخليجيّة إلى الهجرة إلى البلاد الأجنبيّة في أثناء حرب الخليج الثّانية. وسواء أكان موضوع رواية "ملائكة وشياطين" مرتبطاً بالأسرة العربيّة داخل الوطن العربيّ أم كان مرتبطاً بهذه الأسرة خارج الوطن العربيّ، فإنّه في الحالين معاً موضوع عالجه الرّوائيّون كما عالجته الرّوائيّات، وليست له في الحالات كلّها علاقة بقضيّة المرأة في المجتمع العربيّ، وإنْ كانت كاتبته امرأة. خلص من تحليله السّابق إلى القول إنّ الرّواية النّسويّة الإماراتيّة حرصت على الاحتجاج على قضيّة رئيسة من قضايا المرأة الإماراتيّة، هي قضيّة الثّالوث الاجتماعيّ: الحبّ والزّواج والطّلاق، انطلاقاً من أنّ هذا الثّالوث مؤثِّر في المرأة الإماراتيّة، عامل على توجيه حياتها، فعّال في تنقية المجتمع الإماراتيّ من الأدواء التي تعوق حياته الاجتماعيّة الهانئة. والواضح أنّ الاحتجاج النّسويّ الرّوائيّ اتّسم بالسّمات الثّلاث الآتية: أولا السّلاسة: الاحتجاج في الرواية النّسويّة الإماراتية سلس لطيف في تنويعاته كلّها. لم يبلغ مرتبة التَّمرُّد الذي يجعل المرأة تثور بوساطته على عادات المجتمع وتقاليده، وترفضها، وتنتقم منها. ولم يرتق الاحتجاج إلى مرتبة الانقلاب على المجتمع لنيل حرية المرأة، بحيث يبدو الأمر صراعا بين المرأة والمجتمع، أو تمردا ذا نزوع فلسفي بين المرأة المتحدّية والمجتمع القاهر الظّالم. بل بدا الاحتجاج لطيفاً، تُطالب المرأة فيه بحقّها في الحبّ واختيار الزّوج وتعديل العادات الاجتماعيّة الخاصّة بالطّلاق، دون أيّ انفصال عن ثقافة هذا المجتمع وعقيدته، ودون أيّ رفض لمفاهيمه الثّقافيّة المهيمنة، وخصوصاً سيادة الأب والأخ والزوج. ولهذا السبب اتسم الاحتجاج بالسّلاسة والفرديّة والرّغبة الرّوائيّة في رفض الظّلم، والعيش باحترام داخل الأسرة، واستشارة الفتاة في زواجها وحياتها. ثانيا المحدوديّة: ابتعدت الروائية الإماراتيّة عن الخوض في القضايا الاجتماعية والإنسانية الشائكة، واكتفت بالمطالبة بقدر بسيط من الحرّيّة والاحترام، وقدر لطيف من رفض الظّلم. وهذا ما جعل الاحتجاج النّسويّ الرّوائيّ محدوداً، بعيداً عن أن يطرق باب العلاقات الجديدة والقديمة بين الرّجل والمرأة، فضلاً عن سكوته عن قضايا الحياة الجنسيّة، وعن العلاقات عبر الوسائط التّقنيّة، وعن سلوك المراهقات، وغير ذلك من أمور الحياة الاجتماعيّة العامّة والإنسانيّة الخاصّة في عصر العولمة. ثالثا رفض الدونية والرضوخ: حرصت الروائية الإماراتيّة على التّعبير غير المباشر عن أن النظرة الاجتماعيّة الدونية للمرأة مرفوضة في المجتمع الإماراتي، ومرفوض أيضا ما يرتبط بهذه النظرة من "تهميش" و"رضوخ" لأوامر الرجل وتقاليد المجتمع القديمة. وكأن الرواية عند الروائية الإماراتية صرخة الاحتجاج التي حجبت نتيجة انفتاح المجتمع في الواقع الخارجي الحقيقي. إنها صرخة الرفض للقيم السلبية، بغية بناء مجتمع إنساني جديد خال من السيطرة على المرأة، ومن الشك في قدراتها ومشاعرها. هذه السّمة أبرز السّمات الإيجابية في الرواية النّسوية الإماراتية، ولعلها السّمة التي سوَّغت البحث الروائي النسوي الإماراتي عن الذات في روايتي أمنيات سالم "حلم كزرقة البحر"، وآمنة المنصوري "عيناك يا حمدة"، بل هي نفسها السمة الكامنة وراء السؤال الروائي الصعب الذي قدمته صالحة غابش في "رائحة الزنجبيل"، ومفاده: هل تختلف المرأة الإماراتيّة المتعلِّمة المثقَّفة عن الفتاة الإماراتيّة العاديّة في حقّ اختيار الرّجل في هذا المجتمع الآخذ بالحياة الحديثة؟ وأكد الفيصل أن المتغيرات الثّقافية والمادية في المجتمع الإماراتي، أنتجت رؤيا جديدة للمرأة واجهت الرؤيا الموروثة لها، ولكن هذه المواجهة بينهما لم تكن حادّة، بحيث تُنتج تمرُّداً نسويّاً، وانقلاباً على المفاهيم السائدة، بل كانت مواجهة لطيفة، اكتفت بالاحتجاج على الظلم والتهميش والدونية، ودعت بلطف إلى الحقوق الإنسانية للمرأة. صحيح أن هذه الرّؤيا الاحتجاجية تحتاج إلى مستوى فني أكثر رقيا، وإلى دراسات اجتماعيّة توضح الحال الحقيقيّة للمرأة في المجتمع الإماراتيّ، وتبين موقع الروايات منها، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها رؤيا إيجابيّة، أنتجت في العقد الأول من الألفية الثّالثة أغلبية الرّوايات النسوية، والأمل أن تُنتج قدراً آخر من الروايات النسوية التي ترسخ الرّؤيا الإيجابية من خلال الفن الروائي. محمد الحمامصي
مشاركة :