«إرشاد» يسهّل تغليب التوافق على الخلاف بين الأزواج

  • 11/10/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تقوم فكرة الزواج في شكل أساسي على مبدأي الاحترام، والحب. وكأي علاقة تجمع بين شخصين أو مجموعة أشخاص، الزواج معرّض لمواقف وأحداث وتفاعلات تتسم بالتوافق والخلاف، وفي حال تغلّب الخلاف على التوافق، في معظم مجالات الحياة الزواجية الرئيسة، وغابت مؤهلات الطرفين للتواصل الصحي، وتحمّل المسؤولية، والتعامل مع الخلافات في شكل فوري، أصبح هذا الزواج عرضة للخطر، وصار لزاماً على الطرفين معاً، البحث عن مساعدة متخصصة في إدارته وإنقاذه، وتسمّى هذه المساعدة المتخصصة بالإرشاد الزواجي. يتم الإرشاد الزواجي على شكل جلسات منظمة لإكمال العملية الإرشادية بين المرشد والزوجين معاً، وفي بعض الحالات يمكن العمل مع أحد الزوجين فقط، في حال كان الطرف الآخر رافضاً للمشاركة في العلاج، مع الأخذ في الاعتبار الزوج الغائب. وهذه الخدمة لا تقدّم إلا للأزواج الذين يطلبونها، ولديهم موافقة على شروطها. وهذه الأمور تزيد من احتمالية نجاحه، وتحقيق أهدافه، لزيادة نوعية العلاقة الزوجية وتعزيز جودتها. ومن هنا فالإرشاد الزواجي ليس فقط علاجياً، بل قد يكون لغايات الوقاية من تطوّر المشكلات، إثر ظهور مؤشرات خطر، أو التدخّل المبكر بعد ظهور المشكلة بين الزوجين. وقد يكون علاجياً بعد تفاقم مشكلات وتعاسة الزوجين، وعجزهما عن التعامل مع هذه القضايا. ويقوم الإرشاد الزواجي على مجموعة من المبادئ والأساليب التي تؤهّله لأن ينجح مع مدى واسع من مشكلات الأزواج، بل ومفضلاً على الأشكال الأخرى من الإرشاد الفردي والجمعي، وفق ما تشير إليه نتائج البحث العلمي، مثل إدمان أحد الزواج، سوء الأداء الجنسي الوظيفي، الاكتئاب، مشكلات النوم والأكل، سوء التوافق الزوجي، الصراعات والخلافات الزوجية، سوء الإدارة المنزلية، مشكلات العلاقات الاجتماعية للزوجين، شكوى انخفاض الرضا الزواجي العاطفي والنفسي، العنف بين الأزواج، وغيرها. وتتم عملية الإرشاد الزواجي من خلال عقود متفق عليها، تبين واجبات كل من الطرفين (المرشد والزوجين)، ومكان الجلسات وزمانها، والتكاليف، والواجبات المنزلية، والالتزام بالحضور. وتكون مسؤولية الزوجين ممارسة المهارات، التي تمّ اكتسابها، خلال الجلسات، وتحمّل مسؤولية مساعدة الشريك على التغيير، وما أتفق عليه مع المرشد الزواجي. وتشتق الواجبات والمهارات من الإطار النظري الذي يتبعه المرشد الزواجي، والمنحى الإرشادي الذي يتبنّاه، سواء أكان إرشادا أسرياًmarital or couple counseling (مستنداً إلى النظريات الأساسية في الإرشاد والعلاج النفسي كالإرشاد الزواجي المعرفي السلوكي، ويهدف إلى تحسين الأداء النفسي ليصبح أفضل)، أو إرشاد النظم الزواجيةFamily Systems couple counseling التي تهتم بالاتصال والتفاعلات بين الأزواج، وأهمية تغيير التفاعل بينهما لإحداث التغيير المطلوب في نظام الزواج وتركيبه. وكلما بدأ الزوجان البحث عن الإرشاد الزواجي مبكراً، كلما كان ذلك أفضل للعلاقة الزوجية، وزاد ذلك من فرص نجاح العلاقة. ويرى الدكتور الخبير جون جوتمان، مؤسس إحدى أهم مؤسسات الإرشاد الزواجي القائمة على نتائج البحث العلمي لمشكلات الزواج على مدى 40 عاماً، أنّ غالبية الأزواج ينتظرون فترة تمتد من 6 إلى 15 عاماً، على شعورهم بعدم التوافق الزواجي، ليبدأوا البحث عن الإرشاد الزواجي، وأن فترة انتظار 6 سنوات فترة طويلة للصمت على مشكلات الزواج، وكفيلة بمراكمة الخلافات والضغوطات، ووقوع العداء بين الأزواج. من هنا يشير جوتمان، إلى أن الوقت يعتبر عاملاً أساسياً في نجاح الإرشاد الزواج، فكلما تعامل الأزواج مع مشكلاتهم في شكل فوري، وبحثوا عن المساعدة في شكل عاجل، كلما كان ذلك مؤشراً صحياً لحرصهما على حلّ مشكلات زواجهما، وتعاملهما الفعلي معها. وإضافة إلى عامل الوقت، يعتبر تحمّل المسؤولية عن وصول العلاقة إلى مرحلة المأزق، وعدم تهرّب الزوجين من التزاماتهما، فضلاً عن رغبتهما في التغيير، وحلّ مشكلات العلاقة، عوامل هامة وحاسمة في نجاح الإرشاد الزواجي. كما يؤدّي رفض أحد الزوجين الحصول على الإرشاد الأسري، أو عدم تحمّله لمسؤولياته تجاه تأزّم العلاقة، إلى اختلال في ميزان العملية العلاجية. فالعمل مع أحد الزوجين، وعدم تعاون الآخر، يتسبب غالباً في تحسّن طرف وبقاء الآخر في معركة إنكار مسؤوليته عن مشكلات العلاقة، ويؤدّي إلى مراكمة الخلافات، وأحياناً لا يتمكّن الإرشاد الزواجي من مساعدة الطرف القادم للعلاج في إنجاح هذه العلاقة. كما أن المشكلة التي تواجه حالات إرشاد زواجي عدة، كما يشير جوتمان، والمرتبطة بعدم فورية الحصول على الإرشاد في حلّ مشكلات سوء التوافق الزواجي، تتمثّل في حضور الزوجين أو أحدهما إلى الإرشاد الزواجي، وقد أخذ قرار الانفصال من العلاقة، وتكون حاجته للإرشاد منحصرة في الخروج من الزواج، أو إبلاغ الطرف الآخر بقرار الانفصال، وفي هذه الحالة لا يمكن للمرشد الزواجي أن يفرض على هذا الطرف تقديم إرشاد لاستمرار الزواج، خصوصاً إذا كان هذا الطرف قد جاء منفرداً إلى العلاج، وكان الطرف الآخر رافضاً للإرشاد أو التغيير. فالإرشاد الزواجي شأنه شأن أشكال المساعدة النفسية المهنيّة كلها، التي يجب أن تُقدم وفقاً لرغبة طالب المساعدة، وأهدافه منها، مع دور المرشد أو المُعالج في مساعدته وتوجيهه بما يضمن سلامته النفسية والجسدية والاجتماعية. لا يقدّم المرشد الزواجي، ولا أي مرشد آخر، نصائح ووصفات جاهزة لما على الشريكين عمله أو التوقّف عنه، فالإرشاد الزواجي عملية تحترم قرارات الأزواج، وأن عليهم تحمّل زمام مسؤوليتهم الشخصية للتغيير وتحسين الحياة الزواجية، واستمرار الزواج، بينما يأخذ المرشد الزواجي دور المسهّل والميسّر لتحقيق أهدافهم من الزواج، بتعريفهم وتدريبهم على المهارات الحياتية الزواجية التي يفتقرون إليها، والمعتقدات اللاعقلانية والمشوّهة التي عليهم التخلّي عنها، وتبنّي منظور موضوعي في إدراك سلوكيات الشريك وتفسيرها، واتخاذ موقف صحي من المشاعر الإيجابية والسلبية، وطرق التعبير عنها.   نورا جبران      * أعدّ هذا المقال بمساهمة من الدكتورة سعاد غيث، أستاذة الإرشاد الأسري والزواجي في الجامعة الهاشمية – الأردن.

مشاركة :