سمير عطا الله: القصبة هي الوسط والمدينة مقام الجند

  • 3/18/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في كل لغة من لغات العالم يطرأ تغيير على معاني بعض الكلمات، أو الكثير منها. نلاحظ ذلك بسهولة إذا حصلت على كتاب إنجليزي من القرن الثامن عشر أو التاسع عشر. هناك كثير من الكلمات التي نستخدمها الآن في دلالات معينة، بدأت في الأساس لدلالات مختلفة. كانت المدن العباسية، مثلا، تقسم على النحو التالي: الأمصار، وهي البلاد التي يحلها وتجتمع فيها الدواوين وتقلد منها الأعمال، وتضاف إليها مدن الأقاليم. القصبات، وهي عواصم الأقاليم، ومقامها من الأمصار مقام الحجاب من الملوك. والقصبة أصلا المدينة أو القرية أو وسط المدينة. المدن، أو المدائن، وهي ما يلي القصبة في الأقاليم ومقامها مقام الجند. النواحي، مدن مشهورة جهتها معلومة. القرى، ملحقة بالمدن، ومقامها مقام الرجالة. وقال المقدسي إن «البلد يعم المصر والقصبة والرستاق والكورة والناحية». والمشرق كان يقصد به دولة الساسان وليس هو مشرق اليوم، والمغرب عنوا به إقليم المغرب العربي الإسلامي. نحن الآن نستخدم المشرق والشرق بالمعنى الذي وضعه الجغرافيون الغربيون. وأما النواحي فنقصد بها الجهات وأحيانا الضواحي. ولم يعد من الضروري أن تكون المدن مقام الجند. وما زالت القصبة تعني وسط المدينة، خصوصا في معنى الاكتظاظ الشعبي، كما في العاصمة الجزائرية. وشكلت القصبة كابوسا للفرنسيين في حرب التحرير، حتى أصبحت اسم علم فرنسيا، أضيف إلى اللغة. وما عادت القرى «ملحقة» بالضرورة بالمدن، بل تباعدت في تجمعات صغيرة. وبوركت مكة بكنية «أم القرى» فيما صارت المدينة «المدينة المنورة». وتجاوزت الاثنتان تصنيف المدن والقرى معا. وقد استندت في شرح التسميات الآنفة إلى كتاب «الحضارة العباسية» لأستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور سليم الخازن، الذي أفنى عمرا في الإشراف على أطروحات الدكتوراه لعشرات الطلاب. وكنت قد اعتمدت كثيرا على هذه التحفة البحثية في رواية «أوراق السندباد» في وصف الحياة اليومية ببغداد أيام الرشيد. ولكثرة ما استند الدكتور الخازن إلى مراجع عربية وإفرنجية، تحول كتابه إلى مرجع علمي أيضا. أنصح ضعاف القلوب بعدم قراءته لأن المقارنة سوف توجع أفئدتهم.

مشاركة :