سمير عطا الله: مدينة بحياتين

  • 5/14/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كنا نرى هذا المشهد دائما في الأفلام السينمائية. إذا أراد المخرج أن يوحي إليك بأن القصة تدور في نيويورك، بدأ الفيلم بصورة عدد كبير من الناس يتوقفون عند الضوء الأحمر، ثم يندفعون كالهدير عند الشارة الخضراء. إنها مدينة الركض خلف العمل، والعدو نحو الفرص، والتسابق على حصد الوقت. كل صباح يخيل إلي أنني في فيلم سينمائي قديم. أفواج وأمواج مسرعة نحو الطاحون. وعند السادسة مساء، ترى الأمواج نفسها خارجة من المكاتب عائدة إلى بيوتها، بعيدة أو قريبة، فوق الجسور المعلقة وفوق الأرض وتحتها. ولساعة أو ساعتين، يظهر في هذه الساعة البؤساء والمشردون، يطلبون حسنة ما. والفقر، كالإحسان، لا وطن ولا قومية له. ومنذ سنوات اخترت امرأة مقعدة على الجادة الخامسة ألقي عليها تحية المساء. وإذ أعبر نيويورك، في أي وقت، لا أرى نيويورك. تأخذني أفكاري وأحلامي وخيبتي إلى العواصم العربية التي تزدحم من أجل لا شيء وتهرع إلى لا شيء. عواصم البطالة واليأس والعمر الذي يمر على الأرصفة وفي المقاهي بلا من يسأل عنه. الوقت والزمن والحياة التي يملكها الحاكم، وتهدى إليه في الساحات، فيما المصانع متوقفة والحقول يباس والمدارس تعلم كيف تهتف له، والجامعات تخرج أفواج العاطلين. أرى القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت والجزائر والدار البيضاء والشباب الجالس في المقاهي يحلم بالهجرة إلى أي مكان، أي عمل، أي أمل، أي مخرج من سجن البطالة واليأس. أرى المصريين يبيعون الكعك عند جميع الزوايا، وأتمنى أن يعمل الجيل التالي في المصانع والجامعات وأن يمتلك المخازن الكبرى. قاسية نيويورك، وجميع مدن العمل قاسية مثل مدى البطالة. لا وقت لديها للالتفات إليك. تعدو 24 ساعة ولا تتوقف ولا تنام. يقول لي حلاقي اللبناني، المولود هنا، مفسرا أسباب الغلاء، إنها المدينة الوحيدة في العالم التي تدوم حركتها 24 ساعة. ويضيف، ببساطته ولكنته، «يعني كأنك تعيش حياتين». كان رد العربي المخذول على هذه الأسطورة العالية نطح أبراجها. ترى رجلا ناجحا فلا تقلده، بل تقتله. النسف هو الثقافة العربية في زمن الصدأ والتحلل والزور على كل شيء حتى الانتخابات. نيويورك مدينة تعمل وتحيا، والأمل العربي مركز على تورا بورا، وكهوفها.

مشاركة :