إمام وخطيب جامع الراجحي يخصص خطبة اليوم الجمعة للحديث عن مقطع الفيديو

  • 11/11/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

صحيفة وصف : خصّص إمام وخطيب جامع الراجحي بحي الجزيرة بالرياض الدكتور حمزة بن سليمان الطيار، خطبة اليوم الجمعة، للحديث عن مقطع الفيديو الذي تم تداوله وأظهر إرهابياً يقدم شاباً صغير السن لتنفيذ عملية انتحارية في إحدى مناطق الصراع؛ حيث عنون الطيار خطبته بـإغواء الأشرار وجحيم الأغرار، ووقف مع ما احتواه الفيديو 7 وقفات. وتفصيلاً، قال الطيار في الخطبة الأولى: أيها المسلمون: شاهدت وشاهد غيري مقطع فيديو عبر اليوتيوب لأحدهم ممن يقاتل في مدينة من مدن سوريا إحدى مناطق الصراع الحالية، وقد قدَّم أحد الأغرار الذي تجهز لتنفيذ عملية انتحارية، وكان المغرِّر يخاطب أمَّ المغرَّر به وزوجتَه، وقد قلَّبْتُ مضامينَ هذا الفيديو ظهراً لبطن، وأمعنت فيها النظر مرة بعد مرة، فعلى أي وجه قلَّبتها تجلى لي عوارها، وظهر لي قبحها وشنارها، وفي أي وادٍ أجريتها تجلى لي إيغالها في الانحراف عن جادّة الصراط المستقيم، ومصادمتُها لمسلمات الشرع الحنيف، وبما أن المقطع احتوى على تجاوزات شرعية وأخلاقية، ونزغات شيطانية، فسأقف معه بعض الوقفات، فمن ذلك: الوقفة الأولى: خروج معتنقي هذه الأفكار ونحوهم لهذه المناطق التي يحتدم فيها مثل هذا الصراع محرم وغير مشروع، وذلك أن مبررهم هو دفع الظلم عن المظلومين هنالك، ولا يخفى أن احتشادهم هنالك يجلب من المظالم ما هو أنكى مما يدَّعون دفعه، بل إنما يفتحون أبواب الذرائع للقوى الكبيرة العريقة في الظلم لكي تدك رؤوس الأبرياء، كما أن الخروج لهذه المناطق مخالف لتوجيهات ولي الأمر وفقه الله، وهذه المسألة من أمور السياسة الشرعية المنوطة به، والتي يتأثر الحكم فيها بما أداه إليه الاجتهاد، وقد رأى من الحكمة منع ذلك، ولا يسوغ خلافه في ذلك، وبهذا أفتى العلماء، وما أعظم المفاسد المترتبة على خروج الشباب إلى المناطق المضطربة التي هي ملتقى الأفكار الشاذة، ومأوى متشردي المجرمين من أخلاط البلدان، وفي ذلك فتح الذرائع لضخ الشرور والأفكار الهدامة في الوطن المعافى، فيكون الخارج إليها قد ذهب بزعمه لرفع البلاء عن المظلومين، فيتفاقم بسببه بلاؤهم، ويجلب البلاء لمن عافاه الله من غيرهم، فهو في هذا كمن كحّل فأعمى، وكمن عالج فأمات، وكفى بهذا عبثاً وسخفاً، كما أن فيه إهدار أرواح شباب الوطن الذين هم رجال مستقبله ومحط أمله، ومن أدهى النكبات أن يتوالى نعيهم على والديهم، وأهلهم، وذويهم الذين لم يرضوا لهم بهذا المصير المؤلم في حرب أقل أحوالها أنها حرب فتنة. الوقفة الثانية: أن قتل الإنسان لنفسه محرم في شريعة الإسلام في نصوص قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، يقول الحق جل وعلا: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وقتل الإنسان نفسه حرام بالكتاب والسنة والإجماع كما ثبت عنه في الصحاح أنه قال: {من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة} وفي الحديث الآخر: {عبدي بادرني بنفسه فحرمت عليه الجنة وأوجبت له النار} انتهى كلامه. ولم يرد دليلٌ شرعيٌ يخصص العموم الوارد في النصوص السابقة، حتى إن الذين غرروا بهؤلاء فسوغوا لهم الانتحار لم يدَّعوا أن عندهم مخصصاً شرعياً له، بل ساقوا وقائع لا ترقى لأن تكون بمكانة النصوص المحرمة لهذا الفعل، وبالتالي فحقيقة ما يفعلونه هو الانتحار، الذي هو ميتة البائس، وحيلة اليائس، الذي يظهر فاعله في صورة المقهور الذي انفصمت عرى إمكانياته، والجهاد أساسه إظهار قوة الإسلام وعزته، فيتنافى مع هذا تنافياً ظاهراً، ثم إن المسلمات الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع لا تُلوى أعناقُها بمثل هذه الاجتهادات اليائسة. الوقفة الثالثة: أن من يقع عليه الاختيار في الغالب لتنفيذ هذه العمليات هم من صغار السن، الذين قل زادهم المعرفي، وتضاءل مُدركهم العقلي، فسهل التغرير بهم، وسهل استغلال حسهم الديني، فكان مصيرهم في الدنيا جحيماً تتقد ناره، ولا ينطفيء استعاره، والعجب أننا مع كثرة هذه الانتحارات المحرمة لم نر أحداً من منظميها، والمحرضين عليها أقدم على تنفيذها بنفسه، أو أمر ابنه أو قريبه بتنفيذها، بل يجعلون وقود سعيرها من يستغوون من أشتات الناس، وشذاذ الآفاق، وهذا مخالفٌ للمنهج النبوي تماماً سواء من جهة الطريقة، وهي: الانتحار، أم من جهة إحجامهم عن تنفيذ مثل تلك العمليات، فقد كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا جدَّ الجدُّ كان أقرب إلى العدو، فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ»، أخرجه أحمد وغيره. هذا عن نفسه، أما قرابته فحاشاه أن يزويهم عن وطيس القتال، أو أن يصرفهم عن رماح الأعداء، فقد أخرج يوم بدر إلى المبارزة أقرب الناس إليه حمزة وعلياً وعبيدة رضي الله عنهم، فقتل أحدهم، وهو عبيدة بن الحارث رضي الله عنه هذا الإنصاف النبوي كان معدوماً عند أؤلئك الذين يغررون بالشباب، ويزجون بهم في هذه المهلكة، ويطالبونهم ببذل الأنفس في الانتحار، وهم مع ذلك يضنون بأنفسهم وذويهم، ويكفونها عن مزاولة ذلك، فإذا كان الانتحار قربة لله جل وعلا أفلا يحرصون عليه؟ ويتنافسون فيه ويتسابقون إليه؟ الوقفة الرابعة: أن هذا المغرِر قد أوهم المغرر به أنه ذاهب للجنة يقيناً، وأن مجموعة من الحور في انتظاره، كما أوهم والدة المغرر به أن ابنها سيصبح عروساً هذه الليلة، وعلى فرض أن ما يقومون به هو جهاد وحاشا أن يكون كذلك فالحكم لهذا المنتحر بالشهادة منافٍ لمذهب أهل السنة والجماعة من عدم الحكم لمعين بالجنة، وعدم الحكم بالشهادة لمن قتل في الجهاد إلا بالنص الصحيح من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بوب البخاري في صحيحه على ذلك فقال: بَاب لاَ يَقُولُ: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. ومما أورد فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ». قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال)، وقال: (فقوله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله). واستكمل الطيار في الخطبة الثانية، وقال: الوقفة الخامسة: التلاعب بمشاعر أهل المغرر به خصوصاً أمه، بأسلوب مليء بالإسفاف، صارخ بتحجر أفئدة هؤلاء، وخلوها من نبض الرحمة، وحس الشفقة، وكأنهم يهونون للأسرة فقد ابنهم الذي سيهلك بهذا الشكل المأساوي، وسيلقى مصرعه بأبشع قتلة، وهو تفجير نفسه، وتطاير أشلائه، وتمزق أطرافه عياذاً بالله، مرتكباً كبيرة عظيمة، وكعادة هذه الفئة الضالة فقد خالفوا في هذه أيضاً هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، فقد كانوا يراعون مشاعر النساء، ويتحاشون إطلاعهن على ما يمكن إخفاؤه من التفاصيل المؤلمة عن القتلى، ولا أدل على ذلك من قصة الزبير مع أمه صفية رضي الله عنهما في معركة أحد حيث منعها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من رؤية أخيها حمزة رضي الله عنه، أخرجه أحمد وغيره. بل إن أحدهم ليثقل عليه أن يصدم المرأة وأن يفجعها بخبر مقتل قريبها، ويتهرب من مواجهتها بذلك، ويتجاهل استفساراتها، فعندما قتل حمزة رضي الله عنه يوم أحد أقبلت أخته صفية رضي الله عنها فلقيت علياً والزبير, فقال علي للزبير, اذكر لأمك, وقال الزبير: لا, بل اذكر أنت لعمتك, قالت: ما فعل حمزة ؟ قال: فأرياها أنهما لا يدريان, قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لأخاف على عقلها», قال: فوضع يده على صدرها ودعا لها, قال: فاسترجعت وبكت، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره. قارنوا بين ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع صفية، وكيف استعملوا معها المداراة، وتجنبوا فلق كبدها بالصدع بهذا الخبر المؤلم، وانظروا كيف حاول كل من علي والزبير أن يكفيه الآخر مؤونة إخبارها بما حصل، وكيف تمانعا؟ في أمر قد وقع، قارنوا بين كل هذه اللفتات الإنسانية، وبين تلك الصفاقة والقسوة التي خاطب بها هذا المتكلم أم هذا المغرر به محاولاً ذر الرماد في عينها بالحكم لابنها بالإعراس بالحور العين. إنه التلاعب بمشاعر الأسر، ومحاولة جعل الأمر أهون ما يكون من خلال توزيع الابتسامات في مواقف لا تحتملها، ولا تستوجبها مع أنه قُتل خلق من الصحابة رضوان الله عليهم تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم،وفي بعوثه وسراياه، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وحزن عليهم أهلهم وذووهم، وأسفوا على قتلهم، فأي الفريقين أهدى، وأي الفريقين أتقى؟ الوقفة السادسة: أكثرت هذه الفئة من دغدغة مشاعر الشباب بالحور العين، وتركز ترغيبهم عليهن، وهو أمرٌ مستغربٌ؛ لأن الترغيب ينبغي أن يتركز على أعظم منافع المرغب فيه، وفي دخول الجنة من جوالب السعادة ما لا يقارن بالحور، وهو النظر إلى وجه الله تعالى الكريم، وبه فُسِّر قول الله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، أخرجه مسلمٌ في صحيحه. فعزوف هؤلاء المغررين عن الترغيب في كثير من نعيم الجنة كالرؤية والرضوان ومجاورة الرفيق الأعلى، وتركيزهم على جزئية واحدة من نعيمها اعتراف ضمني منهم بأن نظرتهم في نعيم الجنة يترجح فيها جانب الملذات الحسية على جانب الملذات الروحية العليا، وهذا تقصيرٌ عظيم، وخللٌ كبير. الوقفة الأخيرة: مع زوجة المغرر به، فأعانها الله تعالى على ما غُرِزَ في قلبها من خناجرِ الصدمةِ والفجيعةِ، وما أُثقِلَ به كاهِلُها من الأنكادِ العظيمةِ، فها هي ترى زوجها وشريك حياتها وقد وقف على شفير الجحيم الدنيوي، وهو في زهرة شبابه، ثم يخاطبها ذلك القاسي مخاطبة من لم يرحم وحشتها، ولم يأبه بتأيمها في ريعان شبابها، فيعدها بأنه بانتظارها يوم القيامة؛ ليدخلها جنات النعيم !! وتالله إنه وعد من لا يملك فيما لا يملك!! كنا نظن أن التلاعب بعقول الناس، وتوزيع صكوك الغفران، ومفاتيح الجنان، محصورٌ في دجاجلة بعض الفرق، وسماسرة الخرافة من أهل الطرق، فإذا هو منهجٌ لكل من أراد تسويق أفكاره، وترويج ترهاته ممن ضل عن الطريق القويم، وزلت قدمه عن النهج المستقيم. (0)

مشاركة :