يكاد لا يخلو يوم من دون تقرير يصدر عن غرفة التحكم المروري في لبنان عن وقوع ضحايا وجرحى نتيجة حوادث السير. ظاهرة تفاقمت أخيراً في لبنان، وخطورتها لا تقلّ عن خطورة من يسقط في جرائم قتل. مواطنون أبرياء يقضون نتيجة تهوّر سائق، يسبّب الموت له أو للسائقين الآخرين ولركاب سياراتهم على الطرق أو حتى للمشاة. فما سبب كل هذه الحوادث؟ هل هي طرق لبنان أم تهوّر السائقين أم عدم التشدّد في تطبيق قانون السير؟ لم يكبح قانون السير الجديد الذي بدأ تنفيذه السنة الماضية والخطوات التي اتَّخذتها قوى الأمن الداخلي من حيث تكثيف الحواجز الأمنية وتوزيع رادارات السرعة وتشدد شرطة السير في فرض التقيد بوضع حزام الأمان، التزايد المطرد في أعداد الحوادث. بل تبين أن عدد الوفيات يزداد في شكل كبير عاماً بعد عام منذ العام 2007 بعد تسجيل 497 حالة وفاة حتى وصل العدد عام 2013 إلى 652 وفق المجلس الوطني للسلامة المرورية بناء على بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. فيما تقدر منظمة الصحة العالمية عدد حالات الوفاة بحوادث السير في العام 2013 بما يزيد عن ألف. وتشكل نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث السير في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية نحو 18 في المئة من مجمل الوفيات في المنطقة، وفق خبير المواصلات والنقل في البنك الدولي زياد النكت الذي اقترح التركيز في معالجتها في لبنان على تحديث الأطر القانونية والمؤسساتية في وضع معايير السلامة المرورية وآليات التطبيق والتنسيق بين الوزارات والمؤسسات المعنية، والتركيز على تطوير البنى التحتية وتحديث المركبات والتشدد في تطبيق القوانين والعمل على تنظيم المشاة. وأفاد التقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية بأن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير في العام 2013 وصل إلى 1.25 مليون، مع تبيان أعداد كبيرة من الوفيات في العالم العربي. وعربياً، تتصدر مصر لائحة أعداد الوفيات، إذ وصل عدد القتلى نتيجة حوادث السير إلى 10.466 عام 2013، تتبعها الجزائر 9.337، والسودان9.221. وبلغ عدد القتلى بسبب حوادث السير في العالم العربي 73000 باستثناء سورية وجزر القمر وفلسطين التي لم تشملها الدراسة. وسلّط المؤتمر الإقليمي للسلامة المرورية الذي أطلق مشروع «سهر الليل آمن في لبنان» أول من أمس، لمناسبة العيد العاشر لجمعية «كن هادي»، الضوء على إحصاءات الوفيات في حوادث السير على أمل بأن تحتل السلامة على الطرق في لبنان أولوية لدى الحكومة المرتقبة. ويقول مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم لـ «الحياة» إن «قانون السير في لبنان لا يعدو كونه قانوناً يطبق مرحلياً وعشوائياً من دون متابعة»، لافتاً إلى أن «أبرز أسباب صدامات المرور هو عدم مراعاة قواعد السرعة». ويوضح أن «التضارب في أرقام الوفيات بين الأرقام التقديرية لمنظمة الصحة العالمية وقوى الأمن الداخلي لا يعيق العمل لمعرفة مسببات الحوادث بل يجب توفير الدعم السياسي والمالي وتعزيز أمانة سر المجلس الوطني للسلامة المرورية بجهاز إداري وتقني متخصص للقيام بالمهمات المطلوبة منها في قانون السير وإنشاء المرصد الوطني للسلامة المرورية للتنسيق مع الجهات المعنيّة للحصول على المعطيات الخاصّة بالصدامات المرورية. وكذلك إصدار تقرير سنوي مفصّل مع مقترحات لأولويّات التدخّل التي من شأنها تحسين السلامة المرورية». في التقرير العالمي للوقاية من إصابات حوادث المرور الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية عام 2004، صدرت توصيات من ضمنها ضرورة وجود هيئة قيادية في كل بلد تعنى بشؤون السلامة المرورية ووضع الخطط والإستراتيجيات. وعند الشروع في درس وضع قانون سير جديد، حُكي عن فكرة إنشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية. ولا يمكن التحدث عن المجلس الوطني من دون ذكر اللجنة الوطنية للسلامة المرورية وعن أمانة سر المجلس التي يرأسها البروفسور رمزي سلامة. فالمجلس، كما نصّ عليه القانون، يتألف من وزراء الداخلية، والأشغال العامة والنقل، والعدل، والتربية، برئاسة رئيس الحكومة. وكان المجلس اجتمع مرتين وأقرّت الحكومة الموازنة لأمانة السر بحيث يمكن تعيين خبراء متخصصين لوضع الخطط والدراسات. لكن مشكلة التمويل لا تزال عالقة بانتظار العهد الجديد «لإعطاء أولوية للملف وصرف الأموال وتشكيل كادر بشري ذي اختصاص»، وفق إبراهيم الذي عزا سبب عدم استدامة قانون السير وغياب فعاليته إلى «العشوائية في تطبيقه وعدم وجود الخطة الوطنية الشاملة التي على المجلس وضعها. والغالب في الأمر هو الحركة التصاعدية للحوادث في لبنان من فئة الشباب (بين سن 15 و29)، ونحو 40 في المئة من الضحايا هم من المشاة». ويؤكد المستشار الإقليمي في وسائل النقل واللوجستية في منظمة «أسكوا» - قسم التكامل والتنمية الاقتصادية يعرب بدر أن مشكلة تمويل أمانة سر المجلس الوطني ليست مستعصية، فما يعادل دولارين في السنة عن كل مركبة مسجلة في لبنان يساوي 3.6 مليون دولار. وأجرى بدر مقارنة بين تطور وفيات صدامات المرور في لبنان والبلدان المتقدمة. ففي لبنان ازدادت نسبة وفيات المرور 109 في المئة بين عامي 2000 (313 وفاة) و 2014 (655 وفاة). أما في البلدان المتقدمة فانخفضت نسبة وفيات المرور بين عامي 2000 و2014 بنسبة 42 في المئة في البلدان المشمولة بقاعدة بيانات التقرير السنوي لمنتدى النقل الدولي للسلامة على الطرق 2016». ويؤكد أن لبنان تأخر أكثر من 40 سنة عن العالم المتقدّم، وأن على الدول النامية تعلّم التعامل مع حوادث السير كتحسين صناعة المركبات وبناء الطرق وصيانتها، انتشار تجهيزات السلامة، تحسين تعليم قيادة المركبات من أعمار مبكرة، وفعالية القوانين والتعليمات والمراقبة والضبط .
مشاركة :