المرحلة الرومانسية العربية محاولة لتحرير العربي بالفنون والعاطفة ولكنها انهارت وعاد الدين لينتقم. انظري الكاتبة أحلام مستغانمي بعد كل تلك الشحنة الرومانسية المتأخرة ثم عادت تضخ القيم الدينية وتنقلب على الفكر الحديث، نحن في ورطة. إن العربي لا يفهم الحب، يغني للعشق الضائع، أغانينا كلها كآبة، لأن عشقنا هو للحوريات، أي أنه بلا ملامح وليس شخصيا. المرأة أيضا غير معتادة على الحرية، وهذا يجعل العاطفة تتحول فورا الى أطفال. حب الأطفال ليس متوازنا عندنا، بل هو هروب من العلاقة العاطفية نفسها بسبب غياب الحرية وغياب مفهوم الشراكة فالعلاقة ما زالت "ملكية" بسبب الدين لاحظي في الخليج يقول متى "الملچة" أي الزواج. ضاع العمر دون أن ندرك العشق "مشكلة حضارية" وليست شخصية، خصوصا في بلاد الخوف والقمع ينخفض الطموح الى ارادة البقاء فقط، وتختفي فنون العيش الراقية وأولها العشق "معنى الحياة " وغايته. إن الأمر غير متعلق بما نمتلك ولا بجمال الحبيب، بل هو متعلق بالحرية وحقوق الانسان والتربية وعبقرية السعادة. قبل عشرين سنة حضرت محاضرة للروائي الراحل عبدالرحمن منيف وقد سألوه يومها بأنه يوصي دائما بإضافة شيء من الحب الى السياسة، اذا كان علينا أن نعالج السياسة بالحب، فكيف نعالج الحب؟ فقال عبدالرحمن "بالسياسة" إن الحب والسياسة شيء واحد، لأن قمع المرأة كبت، وقمع للرجل وقد يتصاعد الحرمان الى درجة أن يفجر الشاب نفسه في سبيل حورية. هذا المشهد بحد ذاته هو مأساتنا الثقافية، حيث يختلط العشق بالسياسة بالموت. ثقافة حرمان وفشل تاريخي. كل الناس تمتدح الحب، إلا أنك دائما بحاجة الى حبيب يعرفك عليه. إن الحب في النهاية ليس أغنية حرمان، ولا رغبة مراهق ببنات الجيران. هو ذلك الشخص الغريب الذي لا يمكنك التعرف عليه أبدا بمفردك، لابد من حبيب حقيقي يأخذ بيدك ويقدمك الى الحب، يعرفك عليه ويجعلك تراه جَهْرًا، يحول إيمانك الى حقيقة. لا تفجر نفسك أيها الفتى واستمع إليّ حتى يظهر مَن هو أبلغ مني قولا. عندها سأفرش له ردائي وأجلس عند أطراف مجلسه حيث النهر، حتى أنني في الليل أجمع حطبا وأُشعلُ ناراً باسم سيدي. ذلك الذي حين يمشي في الغابات أحمل رمحه، وأهتف باسمه. والى ذلك الحين استمع اليّ أيها الفتى وتطبّب بالعشق، ولا تستمع للظلام. لَقَدْ تَرَكَتْنِيَ أَغبطُ الْوَحْشِ أَن أَرَىَ أَلِيْفَيْنِ مِنْهَا لَا يروععهُما الزَّجْرُ أبي صخر الهذلي أسعد البصري
مشاركة :