ثبت لدي أن جزءاً من مجتمعنا يعاني بعض أفراده من أمراض نفسية لا يرجى بُرؤها، ولذلك استعذبوا قيام شخص بجلد أطفال صغار من عائلته لأنهم مارسوا ببراءة اللعب في إحدى صالات المنزل فأزعجه ذلك، وكأن ملاعب الأطفال المجاورة للبيوت متوفرة فكان خطأ أولئك الصغار أنهم تركوها خالية ولعبوا في صالة المنزل!؟ وقد بلغت مرحلة الاستعذاب أن بعض المؤيدين لعملية الجلد التي اكتوت بها ظهور اولئك الصغار، أخذوا يترحمون على الأيام التي جلدوا فيها في المنزل والمدرسة والشارع والزقاق الضيق! وتمنوا لو أنها تعود ليجلدوا فيها كرات ومرات، مؤكدين أن نشأتهم على الضرب لم تحولهم إلى أشخاص غير أسوياء لمجرد أنهم يلبسون ملابس نظيفة ويضعون أغلى أنواع العطور ويركبون سيارات جديدة أو مناسبة لدخلهم «ذلك قولهم بأفواههم». ولكن لو أن الواحد منهم أخضع نفسه أو مجموعة من خريجي مدرسة الضرب والركل والشتائم التي من أخفها: انقلع يا أبله.. يا حمار، للفحص النفسي لوجد أنه يعاني من مجموعة من العقد النفسية المتراكمة الدفينة التي جاءت نتيجة لما عانى منه في صغره من ضرب وركل وتوبيخ وغير ذلك! ولو راقبت سلوك أفراد من هذه الفئة فإنك ستجد منهم الذي يتعامل مع زوجه وأبنائه وبناته بقسوة وغلظة بزعم أن ذلك من حسن التربية حتى إذا ما دخل المنزل انقطعت أنفاس من فيه «فلا تسمع إلا همساً» بل إن الهمس نفسه يكون غير مسموح به إطلاقاً، وإن عمل في حقل التدريس قسا على طلابه، متجاوزاً التعليمات التربوية بمنع الضرب رافعاً عقيرته بأن هيبته المزعومة قد ضاعت لأنه لم يُمكَّن من سلخ ظهور الطلاب «بالكرباج»، وإن عمل في جهات تحقيق مدنية أو عسكرية فقد يتلذذ بالقسوة على المتهمين لأنه يظن أن ذلك من حقه ومن ضرورات عمله، وإن ترأس مجموعة من العاملين الضعفاء من عمال وخدم وموظفين صغار مارس ضدهم «سوداويته» وأذاقهم النكال متلذذاً بأنه أصبح مهاباً بينهم، منطلقاً في ذلك من عقد نفسية قد يكون وراءها بعض ما حصل له وهو صغير السن تَيْهاني! وعلى أية حال فإن القسوة والضرب والتجريح لا تقدم للمجتمع إلا نفوساً مريضة، وقد نهضت الأمم المتحضرة علمياً وحضارياً عندما أدركت هذه الحقيقة، وبقي المشتاقون للضرب والجلد ينادون بعودته إلى المدرسة والمنزل والشارع وكأن أجسادهم «تأكلهم» ويا ليتهم يجدون من يشبع حاجتهم من الضرب والركل شريطة أن يكفوا أذاهم عن صغارهم وصغار الوطن!
مشاركة :