لم تكن المشكلة في الكويت يوماً في نقص القوانين فعندنا منها «خير كثير» ويمكن أن نصدّر بعضها إلى الخارج. قوانين لا حصر لها ولا عد تشمل كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والبيئية والتجارية والمالية والاجتماعية والتربوية والفكرية والأمنية والقضائية والإعلامية وغيرها... إنما ما كان ينقصنا ببساطة هو أن نطبق هذه القوانين. هنا تكمن المشكلة... بل ربما هنا كل المشكلة. السلطة التنفيذية المنوط بها لعب الدور الرئيسي في تطبيق القانون والمتابعة الدائمة لحسن الالتزام به وتسييده على كل ما عداه. السلطة التنفيذية التي يجب أن تكون القدوة في الخضوع للقانون كي تبعد عن نفسها وعن غيرها كأس الواسطات والمجاملات والصفقات. السلطة التنفيذية التي يفترض أن يكون القانون سيفها ضد الفساد والإفساد ودرعها الحامي في محاكم الشعب والمساءلات النيابية... هذه السلطة تخلت للأسف الشديد وعلى امتداد عقود عن مهمتها وأدخلت القانون سوق العرض والطلب السياسي، تارةً بتجاهل وجوده وطوراً بالتطبيق السيئ أو الجزئي أو الاستنسابي. ما ذكرناه ليس كلاماً عاماً، وإن أردنا الخوض في المخالفات أو التجاوزات فلن تكفي المساحة لمجلدات... ناهيك عن تقارير ديوان المحاسبة والأجهزة الرقابية الأخرى. لكن نظرة شاملة على الأداء بشكل عام تكشف أن أكثر الوزراء الذين يجاملون في تطبيق القانون أو يعتمدون التطبيق الجزئي أو الاستنسابي هم الوزراء الشيوخ، الآن وسابقاً. يليهم الوزراء المنتخبون فوزراء التيارات السياسية أو القبلية الذين اختيروا بموجب «حصص الترضية». ففي الحكومة الراهنة التي صارت حكومة تصريف أعمال، يتباهى وزير شيخ بأنه دفع في اتجاه إقرار قوانين مهمة لتنظيم الشأن المكلف بإدارته. يعقد مؤتمرات صحافية ويتحدث بالتفصيل عما فعل، ثم في لحظة التطبيق يماطل ويؤخر ويمنح المخالفين فرصة تلو أخرى، وإن طولب بالحزم كي لا تتعمم الفوضى يحيل الموضوع إلى لجنة أولى فثانية فثالثة، ثم يطلب رأياً استشارياً. أما إذا اضطر للتطبيق في بعض المجالات فإنه يدفع الوكلاء والمديرين إلى الواجهة للتصدي وأخذ القرار. يتفاخر أمام القيادة السياسية أنه فعل ما لم يفعله أحد من قبل، ثم يرسل إلى الجهة المطبق عليها القانون كلاماً من نوع أنه أجبر ومع ذلك رفض ولم يوقع على القرارات فأعطيت للوكيل أو المدير ليوقع عليها. الوزير الشيخ لديه حسابات غير الوزير العادي، فهو يعتبر نفسه في سلم التدرج بالسلطة والحكم من جهة، وفي موقع الطامع برضى القوى السياسية والنيابية والطائفية والقبلية من جهة أخرى. على أساس أن الموقعين يتكاملان من أجل هدفه المستقبلي، لكن تطبيق القانون بحذافيره هو الهدف الأمثل الذي يكسبه ثقة القيادة واحترام الناس حتى لو لم تكن الخطوة شعبية أو في عين الرضى النيابي والسياسي. المشكلة في الكويت ما زالت مركبة بين عنصر مستفيد من عدم تطبيق القانون أو تطبيقه جزئياً وعنصر أعلى من الوزير يغض الطرف بحجة الحفاظ على استقرار السلطتين. وبين العنصرين يبقى الحال على ما هو عليه... من سيئ إلى أسوأ. وغني عن الشرح كم فشلت تجربة الوزراء المنتخبين الذين لم يستطيعوا التجرد من مصالحهم الضيقة الانتخابية فسجنوا القوانين طول مدة إقامتهم في الوزارة التي صارت مقراً لـ «مرشح» أكثر من مكتب وزير. لا بل إن وزيراً منتخباً رفض علناً تطبيق القوانين المتعلقة بمصالح عامة لأن بقاء الوضع على ما هو عليه يحقق له مكاسب شخصية وانتخابية... والأمر نفسه ينطبق على وزراء التيارات السياسية والقبلية الذين يتباهون على رؤوس الأشهاد بأنهم خدموا بيئتهم الشعبية. نسرد هذا الكلام ليس من باب التشخيص فحسب بل لنقول لحكومة ومجلس مقبلين إن المؤمن في الكويت يلدغ من الجحر عشرات المرات وليس مرتين فحسب، وإن التشكيل الجديد يجب أن يكون وفق معايير وضوابط، فالوزير المحلل إما يعلن أنه لن يخوض الانتخابات مجدداً وإما أن يسلم وزارة غير خدمية وإما أن توضع آلية رقابة ومتابعة في مجلس الوزراء تضمن تطبيقه للقانون. كذلك الأمر بالنسبة إلى وزراء التيارات السياسية وغيرها. أما الوزير الشيخ فعليه أكثر من غيره أن يكون صاحب قرار أو يواجه سريعاً توقيع... صاحب القرار. «الراي»
مشاركة :