«إن الأمر يتعلق بالتغيير الجذري الذي يطرأ على المنظومة السياسية فالولايات المتحدة في الحقيقة هي دولة الحزب الواحد ذي الوجهين السياسيين أحدهما جمهوري والآخر ديمقراطي، لكن الأمر لم يعد على هذا النحو: ما زلنا بالفعل دولة حزب واحد ولكنه حزب رجال الأعمال، الذي ليس له سوى وجه واحد، ولم يعد مهما ماذا يسمى بعد أن اتجه الحزبان نحو اليمين.. إن هؤلاء الذين يؤيدون ترامب ليسوا من الفقراء، أغلبهم من الطبقة العاملة البيضاء الذين عانوا التهميش خلال حقبة النيوليبرالية، ولنكن أكثر دقة بداية من عصر رونالد ريغان، في حين أن الديمقراطيين تخلوا عن هذه الجموع على الرغم من ادعائهم عكس ذلك، إنهم يتحدثون عن طبقة وسطى عند الإشارة إلى الطبقة العاملة. «المفكر الأمريكي نعوم تشوموسكي». على خلاف كل التوقعات وعلى الرغم من استطلاعات الرأي المتعددة التي رجحت فوز الديمقراطية هيلاري كلينتون، وفيما يشبه الزلزال فاز الملياردير الجمهوري المحافظ دونالد ترامب وبفارق كبير في الانتخابات الرئاسية، ليصبح الرئيس المنتخب الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب حسم العديد من الولايات المتأرجحة النتيجة لصالحه، إلى جانب كسبه أصوات الناخبين في ولايات أخرى كانت تعد معاقل تقليدية للديمقراطيين، كما أحكم الجمهوريون قبضتهم على الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، وكذلك نالوا أغلبية حكام الولايات. لقد تمكن دونالد ترامب من كسر احتكار منظومة الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة بشقيها الجمهوري والديمقراطي، وتجاوز الضغوط من قيادات وشخصيات بارزة في حزبه الجمهوري، كما واجه سطوة الإعلام الأمريكي وموقف النساء ووسائل الإعلام المناهض له، مستندًا في ذلك إلى خطاب شعبوي فاقع دغدغ فيه تطلعات وأحلام قطاعات شعبية واسعة فقدت ثقتها بهياكل السلطة التنفيذية والتشريعية القائمة، وتتطلع نحو التغيير، وكانت ترى أن كلينتون هي امتداد لعهد أوباما الذي لم يستطع على مدى ثماني سنوات حل القضايا والأزمات المستعصية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية واتساع الفجوة الاجتماعية، وزيادة منسوب البطالة والفقر واهتراء البنية التحتية، إلى جانب صراعات الهوية، وموضوع الهجرة غير الشرعية. تعهد ترامب أنه في حال فوزه سيقود البلاد إلى مشروع ضخم من التنمية والتحديث وإنه سيعمل على إصلاح المدن الأمريكية وبنيتها التحتية وتحديث الطرق ووسائل المواصلات، كما لاقت دعواته المشحونة بالعنصرية إزاء المهاجرين غير الشرعيين (12 مليونًا) والمسلمين والعرب والهسبانك والسود صدى إيجابيًا بين الأمريكيين البيض، وهو ما يعكس ظاهرة تزايد الميول العنصرية ورفض الآخر والرغبة في العزلة والانكفاء، وفي الواقع أصبحت هذه الظاهرة عامة في الدول الغربية، نذكر من تجلياتها خيار «البريكست» الذي صوت فيه أغلبية (وإن كانت بسيطة) البريطانيين في شهر يونيو الماضي على قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت تشير بعكس ذلك، وكذلك الصعود اللافت للقوى اليمينية والقومية والشعبوية في العديد من الدول الأوروبية. لا يخفى على أحد الدور المركزي الذي تلعبه جماعات المصالح «اللوبيات» السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهيمنتهم على انساق السلطة والثروة والقوة في الولايات المتحدة بشكل غير مباشر من خلال تمويل حملات الانتخابات الرئاسية والتشريعية، غير أن فوز الملياردير دونالد ترامب القادم من طبقة رجال الأعمال الأثرياء الذي لا ينتمي إلى الطبقة السياسية التقليدية وجه ضربة قاسية لها. مع أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات ومحكومة بتوازنات دقيقة ما بين السلطات، كما أن ليس كل ما يطرح من شعارات انتخابية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، غير أن العالم ومن بينه المنطقة العربية على وجل وترقب في انتظار ما ستسفر عنه سياسات ترامب على الصعيد الخارجي، خصوصًا أنه بات طليق اليد إثر إحكام سيطرة الجمهورين على الكونغرس بمجلسيه.
مشاركة :