ملامح تسوية مع البعثيين لصياغة عراق ما بعد الدولة الاسلامية

  • 11/13/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد - مع اقتراب قتال العراقيين ضد تنظيم الدولة الاسلامية من نهايته حيث يحاصر آلاف الجنود آخر معاقل المتطرفين في الموصل، تنوي الأحزاب الشيعية اطلاق مصالحة وطنية "تاريخية" مع السنة والكرد لنسيان خلافات الماضي، فهل تنجح هذه المرة؟ بدأت الأحزاب الشيعية منذ أيام تدرس إعلان تسوية مصالحة تاريخية وطنية برعاية الامم المتحدة عبر مبعوثها في بغداد يان كوبيش، وأيضاً بمشاركة دول مجاورة للعراق، وتسعى المبادرة الجديدة الى رسم المسار الذي سيسلكه العراق في مرحلة ما بعد الدولة الاسلامية عبر إنهاء الخلافات السنية والشيعية والكردية وتحقيق السلم الأهلي حتى وان تطلب ذلك تعديل الدستور. ويمكن للنجاح الذي حققه الجيش العراقي والفصائل الشيعية ومقاتلو العشائر في هزيمة تنظيم "داعش"، أن يوفر فرصة تاريخية لإنجاز صفقة بناء الدولة المدمرة منذ (13) عاماً، ولم يبقَ أمام العراقيين الان سوى مدينة الموصل اخر معاقل المتطرفين، وبعدها يحق لهم الاحتفال طويلا بهذا الانتصار، ولكن الاحتفاظ بالانتصارات دائما هي المهمة الأصعب. ومع انطلاق معركة الموصل في 17 من أكتوبر/تشرين الأول، بدأ السكان المحليون والمسؤولون والسياسيون وحتى حكومات إقليمية وعربية ودولية يطرحون تساؤلات مهمة: ما مصير العراق بعد داعش؟ هل سيبقى البلد موحدا؟ هل سيعود متطرفون من نوع آخر الى الظهور؟ وهل ستبقى الخلافات السياسية بين الشيعة والسنة والكرد قائمة؟ لا احد بالطبع يعرف الاجابة عن هذه الاسئلة الآن لان ما خلفه "داعش" من ارث فكري وسياسي ليس من السهل احتواؤه، فالمتطرفون الغرباء الذين اتخذوا من العراق ملاذا آمنا لهم بعد الغزو الاميركي عام 2003 لم يعتمدوا على السلاح فقط، بل استغلوا الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة والكرد. وبالتأكيد فان منع عودة المتطرفين الى بلد مثل العراق تعيش على ارضه مكونات طائفية وقومية واثنية معقدة لا يتم فقط بقوة السلاح، وانما بإعادة النظر في الية الحكم والدستور والقوانين التي بدأ السياسيون العراقيون في الاونة الاخيرة يعترفون بأنها فاشلة. تسوية تاريخية المعارك الشرسة التي خاضها العراقيون ضد "داعش" في تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة وهيت وضواحي بغداد وأخيراً الموصل خطوة مهمة نحو بناء مستقبلهم، لان المتطرفين وحدوا العراقيين اكثر من اي وقت مضى خلال 13 عاما مضت، وعلى السياسيين استثمار ذلك بشكل جيد لان مثل هذه الفرصة لا تأتي كثيرا في بلد ممزق مثل العراق. الاحزاب الشيعية القابضة على الحكم في العراق منذ 2003 هي التي طرحت المبادرة الجديدة ويقود المفاوضات في هذا الشأن زعيم كتلة "التحالف الوطني" عمار الحكيم ويؤيده في ذلك مقتدى الصدر. وتسربت الى وسائل الاعلام بنود التسوية التاريخية العامة وتضمنت أربعة بنود اساسية: الالتزام بالوثيقة التاريخية يكون شاملاً وليس تنازلا أُحادي الجانب، إقرار مبدأ "لا غالب ولا مغلوب"، تصفير الأزمات بين القوى السياسية العراقية، وأخيرا رفض استخدام العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. وتضمنت أيضا مبادئ اساسية اهمها الالتزام بوحدة العراق والنظام الديمقراطي ورفض التقسيم بأي شكل من الأشكال والالتزام بالدستور كمرجعية للقوى المشاركة وغير المشاركة بالعملية السياسية، وترسيخ دولة المؤسسات، والحفاظ على الديمقراطية والنظام المدني، واعتماد اقتصاد حر متعدد، والالتزام بالتوزيع العادل للثروات بحسب النسب السكانية للمحافظات، والامتناع عن التكفير وتخوين الآخر وعدم السماح بوجود "ميليشيا" خارج الدولة، والتزام جميع الأطراف بمحاربة أي مجموعة مسلحة غير قانونية. وتبدو بنود التسوية رائعة على الورق، ولكن المشكلة الأساسية في صعوبة تطبيقها، اذ انها ليست المرة الاولى التي يقرر السياسيون العراقيون عقد مؤتمر مصالحة، وخلال السنوات العشر الماضية عقد اكثر من ثلاثين مؤتمرا للمصالحة صرفت من اجلها أموال طائلة ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها تماما. منذ تشكيل اول حكومة عراقية منتخبة عام 2006 برئاسة نوري المالكي، ضمت الكابينة الحكومية وزارة خاصة بالمصالحة الوطنية واستمرت حتى عام 2010 وبعدها تحولت الى هيئة تابعة الى الحكومة، ونجحت في اوقات قصيرة من التفاوض مع فصائل مسلحة ومعارضين عراقيين في الخارج. ويشير الموقع الرسمي لهيئة المصالحة الوطنية الى المئات من الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر السياسيين ورجال الدين والعشائر من السنة والشيعة والكرد وهم يمسكون أيدي بعض خلال عشرات المؤتمرات ولكنها كانت مجرد مؤتمرات سطحية لم تتمكن من الوصول الى جوهر المشكلة. ومن المفارقات ان الموقع الرسمي لهيئة المصالحة الوطنية ينشر تجارب دولية ناجحة للمصالحة تبدأ من تجربة جنوب إفريقيا مع نظام التمييز العنصري، وازمة الارجنتين بعد تخلصها من الحكم العسكري، وتجربة المغرب في انهاء الانتهاكات ضد حرية التعبير، وتجربة المصالحة في ايرلندا الشمالية، ولكنه حتى الآن لا يجد التجربة الناجحة في العراق. النائب عن كتلة "المواطن" (الشيعية) سليم شوقي يقول ان "هذه المرة ستكون الامور مختلفة، العراقيون توحدوا جميعا ضد متطرفين استهدفوا الجميع شيعة وسنة وكرداً، وشاهدوا كيف ان مدنهم اضحت مدمرة، ولهذا فان المبادرة الجديدة ليست خيارا وإنما ضرورة في المرحلة المقبلة". ويضيف ان "التسوية الجديدة تركز على انهاء جميع الخلافات بين القوى السياسية بشكل حقيقي لا عبر الشعارات، فالجميع اليوم متفق على ضرورة تجاوز أخطاء الماضي والتفكير في مستقبل العراق بعد القضاء على المتطرفين في الموصل". غياب قيادة سنية موحدة اولى المشكلات التي ستواجه انجاز التسوية التاريخية بين الشيعة والسنة في العراق هي الانقسامات الداخلية التي تعصف بالتكتلات السنية والشيعية والكردية، فلم يعد الحديث ممكنا عن وجود قوة شيعية واحدة والشيء نفسه مع السنة والكرد، ولكن المعضلة الاشد هي الاحزاب السنية لأنهم نالوا النصيب الاكبر من الضرر بعد احتلال "داعش" مدنهم، وانتجت تحالفات غير مدروسة بعضها مع الشيعة والاخر مع الكرد. "الحزب الاسلامي" العراقي بزعامة رئيس البرلمان سليم الجبوري، وائتلاف "متحدون" بزعامة نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، وجبهة "الحوار الوطني" بزعامة صالح المطلك، وحركة "الحل" بزعامة جمال الكربولي، وحزب "الوطنية" بزعامة نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي هم الممثلون الاساسيون للسنة في العملية السياسية، ومواقفهم السياسية تشير إلى أنهم أعداء لا حلفاء. يتصارع "الحزب الإسلامي" ضد "متحدون" على النفوذ السياسي في الموصل، ويتنافس حزب "الوطنية" ومعه حركة "الحل" ضد "الحزب الإسلامي" على الأنبار، بينما تتصارع جبهة "الحوار الوطني" و"الحزب الإسلامي" ضد حزب "الوطنية" في صلاح الدين. انها معادلة معقدة وعلى السنة قبل الدخول في التسوية التاريخية التوحد مجددا واختيار ممثل رسمي لهم في المفاوضات التي ستكون معقدة وشاقة قبل التوصل الى توقيعها، ويتطلب تدخلا اقليميا من الدول الداعمة للسنة كالسعودية وتركيا لتوحيدهم. ويقول عباس البياتي النائب عن حزب "الدعوة الاسلامية" وهو مقرب من رئيس الوزراء ان على "السنة توحيد موقفهم واختيار قيادة واحدة من اجل انجاز التسوية التاريخية الوطنية، الشيعة ليست لدينا مشكلة كبيرة وكذلك الكرد". البياتي يضيف ان "القوى السنية منقسمة الى كتل وأحزاب متعارضة وعليهم التفكير في مستقبل مدنهم بعد القضاء على داعش لان اعادة اعمار مدنهم المدمرة لن يتحقق من دون توحدهم وترك الخلافات والصراعات الداخلية جانبا". لماذا تفشل المصالحة في العراق في كل مرة؟ المشكلة الاساسية في فشل مشاريع المصالحة الوطنية في قضية حزب البعث المحظور في الدستور العراقي، فالأحزاب الشيعية القابضة على سدة الحكم في العراق بعد انهيار حكم البعث لم تصل الى مرحلة النضوج الكافي للتسامح مع مئات الآلاف من عناصر حزب البعث السابقين، بل قامت باستخدام تهمة البعث ذريعة للقضاء على منافسيها لإبعادهم عن السياسة. مئات الآلاف من العراقيين انضموا إلى حزب البعث والجيش السابق وجهاز المخابرات مجبرين على ذلك من اجل الحصول على وظيفة حكومية لإعالة اسرهم في نظام شمولي تحتكر الدولة فيه الوظائف وفرص العمل مع غياب القطاع الخاص، وبالتأكيد هناك مجرمون تورطوا في اعمال قتل وابادة داخل الحزب ولكنهم معروفون لدى الجميع ولا يزيد عددهم على المئات. ولكن الأحزاب الشيعية لاحقت جميع البعثيين حتى الكفاءات العلمية من اساتذة جامعات وضباط محترفين في الجيش السابق ورمتهم في الشوارع بلا وظائف، وهنا وجدت الفصائل المسلحة المتطرفة فرصة سانحة لاستغلال هؤلاء وتجنيدهم، وليس غريبا ان يكون ابرز قادة "داعش" العسكريين هم ضباط محترفون سابقون استفاد المتطرفون من خبرتهم العسكرية في السيطرة على ثلث العراق خلال ايام قليلة في حزيران/يونيو 2014. المبادرة الجديدة تحدثت ايضا عن البعثيين وقالت في احدى فقراتها إن "لا عودة لحزب البعث ولا حوار معهم"، ولكن سياسيا شيعيا متنفذا يؤكد ان المبادرة الجديدة مختلفة وتتضمن تنازلات كبيرة من اجل هذه المشكلة. هذا السياسي هو احد اعضاء التسوية الجديدة قال بشرط عدم الكشف عن اسمه بسبب سرية الاجراءات حول اعداد التسوية ان "المبادرة الجديدة لن تتحاور مع حزب البعث كتنظيم حزبي ولكنها ستفاوض الشخصيات البعثية الذين اعلنوا تخليهم عن مبادئ الحزب". ويضيف ان المبادرة "ستضع خطة سياسية لإغلاق ملف اجتثاث البعث الذي تقوم عليه هيئة سياسية تديرها أحزاب شيعية منذ عشر سنوات، وتحويل الملف الى القضاء العراقي، وهذا احد المطالب الأساسية للقوى السنية في العراق لان الكثير منهم تعرضوا للظلم بسبب ذلك وابعدوا عن العملية السياسية". ويقول هذا السياسي ان "المبادرة ستتضمن عقد حوارات مع شخصيات سياسية سنية تم طردهم من العراق مثل وزير المالية السابق رافع العيساوي السياسي البارز من الأنبار، وكان قرار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي باعتقاله عام 2012 وراء اندلاع التظاهرات السنية الواسعة في محافظات الأنبار وصلاح الدين". ومن الشخصيات السنية الاخرى خميس الخنجر وهو رجل اعمال سني متنفذ يعمل خلف الكواليس عبر دعم الاحزاب السنية في الانتخابات ويتبنى مشروع الإقليم السني في العراق، وأيضاً النائب السابق محمد الدايني الذي اتهم قبل سنوات بالإرهاب والتورط في تفجير إرهابي داخل البرلمان عام 2007. وجاء في احدى فقرات المبادرة ان المصالحة ستكون مع الجميع سواء المشاركين في العملية السياسية او المعارضين لها حتى الفصائل والجماعات المسلحة. العشرات من الفصائل المسلحة السنية العراقية المعتدلة تشكلت بعد 2003 وابرزها "الجيش الإسلامي" و"كتائب ثورة العشرين" و"جيش المجاهدين"، و"جيش الراشدين" وأنصار السنة، وأيضا "هيئة علماء المسلمين" التي تعتبر الاب الروحي لجميع هذه الفصائل، بالاضافة الى شيوخ عشائر لديهم نفوذ واسع ويتواجدون خارج العراق وآلاف الشخصيات البعثية، هل سيتحاور الشيعة معهم هذه المرة؟ (نقاش).

مشاركة :