الكتاب ووسائل التواصل الحديثة

  • 11/15/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كنت أقرأ وأسمع كثيراً قبل سفري إلى ألمانيا عن شغف شعوب اليابان وأوروبا وأميركا بالقراءة، فلا تكاد تخلو وسيلة مواصلات من شخص ما يقرأ كتاباً أثناء رحلته، حتى سافرت وبدأت في استخدام وسائل المواصلات العامة؛ لأشاهد الأمر على الحقيقة، التي تبدو ربما أفضل حتى مما قرأت عنه. تجد الغالبية هنا تقرأ أثناء رحلتها في وسائل المواصلات العامة، خصوصاً إذا ما كانوا يقطعون رحلتهم بمفردهم، فتجد الشخص أخرج كتاباً من حقيبته؛ ليبدأ في الاستغراق في قراءته حتى يصل إلى وجهته، ربما لهذا السبب تبدو الكتب هنا أصغر حجماً من بلادنا؛ ليتمكن الجميع من وضعها بأريحية في حقائبهم. كان السؤال الذي يراودني دائماً هو: كيف وصلوا إلى هذه المرحلة؟ ولماذا لا يكون الأمر مثله في بلادنا؟ حتى بدأ صغاري يكبرون، وراقبت بنفسي ما تفعله الدولة ومؤسساتها المختلفة؛ لتجعل القراءة أمراً أساسياً منذ الصغر. مع بلوغ ابنتي الثالثة من عمرها، تسلمت من المكتبة العامة كيساً قماشياً يحتوي على كتاب صغير، والكثير من الملصقات المشجعة على القراءة؛ لتبدأ المكتبة بعد عام في استضافتها للاستماع لقصة مصورة من إحدى العاملات في المكتبة مع مجموعة من الأطفال ممن هم فوق الرابعة. لا تحبذ المكتبة العامة أن يستعير الطفل كتبه عن طريق اشتراك والديه فيها، فعندما كانت صغيرتي في الثانية استخرجوا لها اشتراكاً خاصاً بها، يمكنها عن طريقه استعارة ما تشاء من كتب مصورة أو سيديهات للاستماع إليها. في الحضانة تمتلئ الغرفة بمختلف القصص التي يستطيع الطفل استخدامها، والتمتع بصورها، بل ويمكنه أن يطلب من مشرفته أن تقرأ له منها مقتطفات ما، أو أن تقرأ القصة كاملة؛ حيث تكون الكتب دائماً في متناول يديه، ولا يتطلب الأمر منه المساعدة من أي شخص ما في الحصول على الكتاب الذي يريد. مع بداية المدرسة، يجب على جميع الطلبة أن يشتركوا في المكتبة العامة، ويفردوا للأمر يوماً كاملاً، يزور فيه الصغار المكتبة ويقومون بعمل اشتراكاتهم، ويتعلمون يومها كيفية الاستعارة وما الكتب المناسبة لأعمارهم، وتتمثل أهمية تلك الخطوة في اعتماد ما هو تالٍ عليها، فبعد ثلاثة أشهر تقريباً من بداية الصف الأول يبدأ الطفل في التمكن من قراءة النصوص البسيطة، وحينها يلجأ لاستعارة الكتب ليتمكن من قراءتها، وليشترك عن طريقها في نادٍ خاص يشترك فيه عن طريق الإنترنت، يختبر ما فهمه من قراءته للقصة، عن طريق أسئلة بسيطة منها، وفي نهاية العام الدراسي يحصل أكثر 3 طلبة حققوا أعلى معدلات في النقاط الناتجة عن إجاباتهم الصحيحة على هدية رمزية، بالإضافة إلى شهادة تفوق، تستمر هذه المسابقة حتى الصف الثالث الابتدائي. مع الصف الرابع، تتكرر الزيارة للمكتبة العامة، ولكن تلك المرة ليتعرفوا على طريقة تقسيم الكتب، ما الذي تعنيه الأرقام المضافة على كل كتاب، وكذلك الألوان، وكيف يتم تقسيم الكتب في الأقسام المختلفة، وفي النهاية يتعرفون على كيفية سير نظام الاستعارة على جهاز الكومبيوتر الخاص بالمكتبة. كما توفر المدرسة مكتبة خاصة بكل فصل، يمكن للطالب استعارة أي كتاب منها في حال أنهى المطلوب منه في الحصة، وما زال هناك وقت أمام البقية، فيأخذ كتاباً من مكتبة الفصل تلك التي تم تكوينها من تبرعات الآباء؛ ليقرأه أو يتصفحه حتى ينتهي البقية مما تم تكليفهم به، كما تقوم مدرسة الفصل بعمل ليلة تسمى ليلة القراءة؛ حيث يمضي الطلبة ليلتهم في المدرسة، يقرأون كتاباً معاً ويتناقشون فيه. مع كل ما سبق، كان التعجب من حرصهم على القراءة يقل تدريجياً، فالأمر يتعلمه الأطفال منذ الصغر؛ ليستمر معهم في شبابهم وكبرهم. إلا أن تلك الصورة الوردية لم تصمد كثيراً أمام التطور التكنولوجي الأخير، تركب اليوم وسائل المواصلات العامة، فلا تجد الكتب تملأ أروقة المترو، ولا صوت تقليب صفحاتها يملأ الباصات، لقد تم استبدال كل ذلك بصوت نقرات الأصابع على شاشة الهواتف الذكية، تكتب نصاً؛ لترسله لأصدقائها. يختفي اليوم تدريجياً منظر الشباب الذي يقرأ في كل مكان، أصبح التواصل الإلكتروني مع الآخرين يحتل المرتبة الأولى الآن. ولم يقتصر الأمر على ابتعاد الشباب والجيل الجديد عن القراءة تدريجياً، بل تطور الأمر إلى اعتمادهم اليوم في حصولهم على المعلومة على مشاهدة مقطع من الفيديو لا يزيد بأي حال من الأحوال عن الخمس دقائق، لا تعلم إن كانت المعلومة المذكورة فيه صحيحة أم لا، إلا أن السرعة في الحصول على المعلومة أصبحت الهدف الأساسي للأجيال الجديدة، فلا طاقة لهم اليوم لقراءة كتاب كامل قد يستغرق يومين؛ ليحصلوا على معلومة ما، فما أسرع الحصول عليها عن طريق فيديو قصير، يحضرها إلى جاهزة بشكل مختصر. لم تعد القراءة اليوم تمثل أمراً مهماً أو جذاباً، أراقب أبنائي الكبار اليوم ولا أدري أي عالم ينتظرهم.. هل حقاً تكفيهم تلك الطريقة في الحصول على الثقافة اللازمة لهم، أم أن العصر يتجه إلى إنتاج جيل لا يعلم عن الثقافة إلا قشورها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :