التَّرجمَة، مُهمَّةٌ نَبيلَة ومَسأَلةٌ أَصيلَة في نَقل العلُوم، ولَكنَّها -كغَيرهَا مِن المَهَارَات- تَحتاج إلَى أَكثَر مِن ثَقَافَة، لَعلَّ أَبرزهَا الثَّقَافة اللُّغويَّة، وثَقَافِة النُّسق والسيَاق الاجتمَاعي لأي فِكْرَة، والبِيئَة التي وُلدت فِيهَا، وحَتَّى نُدلِّل عَلى شَيءٍ مِن هَذا، دَعونَا نَطرَح هَذَا المِثَال البَسيط: فِي أَكثَر مَنَاطِق المَملكَة تُسمَّى النَّافِذَة «طَاقَة»، وفي اللُّغَةِ العَربيَّة، هُنَاك تَعبيرٌ شَائِع يَقول: «هَذا الأَمر فَوق طَاقَتي»، وحِينَ أَرَاد أَحد الطُّلَّاب السّعوديين؛ أَنْ يَعتَذر عَن بَحث طُلب مِنه، في أَحَد مَعَاهِد اللُّغَة الإنجليزيَّة في بريطَانيا، تَرجمَ عِبَارة: «فَوق طَاقتي» تَرجمَة حَرْفيَّة، بمَعنَى النَّافِذَة، فقَال: This is above my window، وهو يَقصد أَنْ يَقول: «هَذا الأَمر فَوق طَاقتي»، هَذه القصَّة -عَلى بَسَاطتها وسَذَاجتها- تُلخِّص مَا أُريد قَوله في هَذه الكِتَابة..! أَكثَر مِن ذَلك، إذَا دَخلتَ الحمَّام في أُوروبا، تَجد عِبَارة: «اترُك الحمَّام كَمَا وَجدتَه»، ونَحن تَرجمنَا هَذه العِبَارة كَما هي، ونَسينَا أَنَّ حَمَّامَاتنا -في الغَالب- تَكون غَير نَظيفَة، ولذَلك فإنَّ مُستَخدِم الحَمَّام يَستَجيب لعِبَارة: «اترُك الحَمَّام كَما وَجدتَه»، حيث وَجده غَير نَظيف؛ فتَركه غَير نَظيف..! ومِن أَكبَر مَآسي التَّرجمَة، تَرجمة كَلِمَات الغَزَل، وقَد حَدَّثنا شَيخنا «أبوسفيان العاصي» قَائلاً: بأنَّه تَعرَّف عَلَى فَتَاة إنجليزيَّة، وعِندَما «عَزمهَا» إلَى المَقهَى، وحَضَر الشَّاي بَينهما، أَرَادَت أَن تَصبّه لَه، فسَألته: «كَم مَلْعَقَة سُكَّر تُريد»؟ فقَال لَها: «لَا حَاجَة للسُّكَّر، بَل ضَعي إصبعك فِيهِ»، ظَنًّا مِنه أنَّ هَذه مِن كَلِمَات الغَزَل هُنَاك، كَما في مَسقط رَأسه، لَكنّه صُدم برَدَّة فِعل الفَتَاة حِين صَرخت قَائِلَة: «تَبًّا لَك أيُّها المَجنُون.. أَتُريد أَنْ تَحرق إصبعي؟»، وانصَرَفَت إلَى غَير رَجعة..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نُؤكِّد أَنَّ الرَّاسخين في التَّرجمة يَقولون: «التَّرجمَة سِجَّادة مَقلُوبَة»، لذَلك لَيتنَا نَحْذَر أثنَاء مُمَارَستهَا، أَنْ نَجعَل السِّجَّادة مَقلوبة المَعَانِي.. تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com