يخنقني الغيظ كل يوم عند متابعة مستجدات المعجزات العلمية عند الآخرين ونكتفي بالمشاهدة والاندهاش. لماذا نحن هكذا بين الأمم، لماذا نحن مجتمع بلا فلاسفة والفلسفة هي أم الفكر، ولا علماء رياديين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ولا فقهاء محكمين عالميا ً في علم الأديان المقارن. الجواب تجده في التعريف المقبول عندنا للعلم، وتجده عند من يحدد لنا تعريف ماهو العلم، وبتفصيل أدق يحدد لنا ماهو العلم النافع وغير النافع والضار. لماذا نحن مجتمع بلا كتاب مسرحيات عالمية ولا مسارح ولا فرق للموسيقى الراقية كتراث عالمي مشترك بين الشعوب ولا ترفيه شعبي مفتوح على الإبداعات والمواهب والمشاركات الاحتفالية في الميادين والساحات والصالات الجماهيرية كبقية العالم؟. الجواب تجده في التعريف المقبول عندنا للترفيه وعند من يحدد لنا تعريف الترفيه، وبتفصيل أدق ماهو الفرق عنده هو بين الترفيه الترويحي وبين العبث وتضييع الوقت فيما لا طائل منه، حسب ما يراه ويحدده. لماذا نحن مجتمع تحدد لنا فيه مواصفات العالم بمن يحفظ المتون والنصوص ويلم من كل شجرة بقطفة، أي ذلك الموسوعي الذي إن سألته في الطب يجيب وهو ليس بطبيب، وفي الزراعة يجيب وهو ليس بعالم زراعة ولا فلاح، وفي الفلك يجيب وهو لا يعرف من عوالم الكون سوى بعض الأبراج الموسمية، وإن سألته فأعياه الجواب في مسألة ما استنتج أن في الموضوع إما سحرا أو عينا أو مسا. عالم الفيزياء والكيمياء والصيدلانيات والنواة والكم عندنا يسمى عالم فقط في الأكاديميات العلمية. أما عند الدوائر الحكومية وعند المجالس الاعتبارية وعند الجماهير فلا يكون العالم سوى حافظ المتون والنصوص الذي يستطيع التصرف فيها عند الحاجة حسب مقتضى الأحوال. ما هي الأسباب وراء الاختباء خلف أستار الماضي حتى في تعريف العلم والعلماء وما هو المنطق والفلسفة وماهو الترفيه الترويحي والإبداعي وما هو العبث الذي لا طائل منه؟. مهما بحثنا، هناك سبب واحد هو سطوة التقديس عند العوام والدهماء للموروث الاجتماعي، بما يترتب على ذلك من سطوة في التبديع والتفسيق والتكفير والتحريض ضد التعامل مع الحياة والعالم بمفاهيم العلم الحقيقية وشروط الحياة. لا يربط المجتمعات إلى سلسلة التخلف مثل التمصلح من السطوة الشعبية عند العوام والانتفاع بها للفرز بين الضار والمفيد والعلم والجهل. كذلك هذا هو السبب الأول في ضعف التعليم الدنيوي المنهجي، لأن من لا يجرؤ على تعريف العلم الحقيقي لن يستطيع تعليمه ولا تحقيقه.
مشاركة :