لا بد من العودة إلى المرتكزات الثلاث: البيت والمسجد والمدرسة، أي تربية وتثقيف المنزل والجوامع والمدارس والجامعات؛ فالمجتمع يغرق بكم هائل من المعلومات الإعلامية والمادة الفيلمية ومقاطع التواصل الاجتماعي المضللة، ومرشح إلى المزيد من الإغراق في المواد الإعلامية، فإذا لم تتحرك هذه الكيانات الثلاث بسرعة لحماية المجتمع من الشتات وضياع الهوية العقائدية والثقافية والوطنية فإننا سنجد أنفسنا خارج سيطرة الانتماء والولاء لديننا وقيادتنا ووطنا. نحن في وسط أمواج عاتية وعنيفة، وضباب كثيف ورؤية قاتمة، ولا بد من دليل ومرشد وقبس نهتدي به، يقودنا إلى الممرات الآمنة. الخوف أن يزج بالمجتمع إلى المنعطفات الخطيرة عبر إعلام غير مسيطر عليه، إعلام يفتقر إلى الفرز الصحيح، يجعلنا أسرى مقيدين ومنزوعي الإرادة، لا نقوى على الفرز والخيارات، فقط نستقبل بلا إرادة، فيحدث هذا التغير: تكون مدارسنا بلا تربية، مجرد تعليم خالٍ من التربية، وتكون جامعاتنا بلا قيم أخلاقية. البيوت تتحول إلى أماكن للإيواء، ومهاجع ليلاً، مجرد حجرات وغرف للنوم بلا روابط أسرية وعلاقات عائلية، تضيع وسطها مفاهيم عدة، أهمها الروابط العائلية المكونة للأسرة. المسجد يتحول لمكان للتعبد شبه الفردي، نزعت منه الروح الإسلامية الجماعية والتربية والسلوك ومعاني وقيم الإسلام الذي جاء للدعوة لعبادة الله والتآخي الإسلامي. هذه الأضلاع الثلاثة (البيت والمسجد والمدارس) يجب أن تكون مشروعًا جماعيًّا في الجهات الرسمية؛ فليس هو شأنًا داخليًّا لكل وزارة، أي ليس من شأن وزارة العمل (الشؤون الاجتماعية) وحدها، كما أنه ليس من عمل وزارة الشؤون الإسلامية بأن تكون الوزارة هي المسؤولة عن بناء الأسرة وفق التربية الإسلامية، وأيضًا ليس من عمل وزارة التعليم ولا من عمل الجامعات وحدهما؛ فالوزارة ليست جهة تربية فقط، ولا يقف دورها عند هذه المهام. إذن، لا بد من عمل مشترك بين الوزارات الثلاث على بناء نظام اجتماعي قوي، يحمي مجتمعنا، ويكون موازيًا للبناء العمراني والتنموي والتطوير الذي نلمسه ونشعر به في كل ركن وزاوية وناحية من بلادنا. وما بناء المدن والتنمية الاقتصادية والعمرانية إلا لإنسان هذه الأرض والمجتمع الكبير، فلا يكون هناك تباعد في الانتماء والولاء والسلوك بين الإنسان والأرض والمكون الوطني.
مشاركة :