بيروت- رامي كفوري: اقرأ تفرح، جرّب تحزن هذا المثل ينطبق على العديد من القوى السياسية في لبنان عند كل استحقاق مفصلّي. بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وانطلاق قطار الاستشارات النيابية الملزمة، وحصول سعد الحريري على 114 صوتاً رشحته لتكليف حكومة العهد الأولى، ارتفعت الأسئلة المشروعة: * هل سيتمكن الحريري من تشكيل حكومة منسجمة، جامعة كل ألوان الطيف السياسي اللبناني؟ * هل ستزول فيتووات الكتل النيابية، وهل سينخفض بارومتر الشروط والشروط المضادة؟ * هل ستكون للرئيس المكلف القدرة على تدوير الزوايا وتقريب المسافات، أو سيجد نفسه أسير التناقضات السياسية؟ هذه الأسئلة وسواها تشق طريقها إلى الصالونات السياسية، وحتى إلى الإعلام بشيء من خفر ومواربة، لئلا يُقال أن ثمة من يحاول وضع العصيّ في دواليب العهد والرئيس الحريري العائد إلى القصر الحكومي بعد مخاض ومعاناة. ما من لبناني إلاّ ويذكر كيف أن رؤساء الكتل شددوا على تسهيل مهمة الرئيس ميشال عون في قيادة البلاد نحو مرحلة جديدة، والتعاون مع الرئيس المكلف في مرحلة التأليف، لينتظم عمل الدولة بأجهزتها الإدارية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية والإنمائية والأمنية والعسكرية، وتنطلق لتعيد للبنان دوره وتألقه، وللسلطة هيبتها بعد الفوضى الكبيرة التي نتجت عن الشغور الرئاسي. كل طرف أقسم بأنه سيكون سيفاً بيد العهد الجديد لا عليه، وبأن يوفر الدعم للرئيس الحريري لكي يوفق في مهماته، لكن قراءة أولية لتطوّر الاتصالات السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، أظهرت الآتي: 1 إن الفريق الشيعي أي حزب الله وحركة أمل يضغطان في اتجاه توزير كتلة لبنان الحر الموحد التابعة لتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي. 2 هناك توجه لدى بعض قوى الثامن من آذار بأن يتمثل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان في الحكومة، بدلاً من المرشح الذي طرحه هو أي الوزير السابق مروان خير الدين. 3 إن الرئيس ميشال عون غير متحمّس لتوزير تيار المردة، لكنه لا يمانع توزير الكتائب. 4 إن حزب القوات اللبنانية فضلاً عن إصراره على الحصول على حقيبة سيادية، يرفض رفضاً قاطعاً توزير المردة والكتائب. 5 لا يزال الالتباس يشوب التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في شأن تقاسم الحقائب العائدة للطوائف المسيحية. 6 رغبة الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري في عدم حصر تسمية الوزراء المسيحيين بالثنائي: التيار الحر والقوات، من خلال تسمية وزيرين مسيحيين يكونان محسوبين عليهما. وفي هذا الإطار، يطرح الحريري اسم النائب السابق الدكتور غطاس خوري على أساس أنه كان أحد مهندسي التقارب بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. 7 رغبة رئيس الجمهورية بأن يسمي وزيرين مسلمين: سنيّ وشيعي يكونان من ضمن حصته، وذلك بما ينسجم وطبيعة دوره كرئيس للبنانيين وليس لفئة منهم. ولم يُعلم ما إذا كان الوزيران المفترضان (إذا قبلت هذه الصيغة) سيصنفان في خانة الوديعة أو الولاء الكامل للرئيس. ويقول مصدر كتائبي أن رئيس حزب القوات سمير جعجع وضع فيتو على توزير تيار المردة وحزب الكتائب وهو قد ينجح في إقصاء الحزب لأن حلفاءه ليسوا بإخلاص حزب الله الذي يدافع عن المتعاونين معه، ولا يتخلى عنهم مطلقاً مهما كانت الأثمان... لكن - يضيف -بالنسبة إلى المردة، فإنه لن يفلح البتة لأن الرئيس نبيه بري الذي يحظى بتكليف حزب الله إدارة مفاوضة تشكيل الحكومة مصرّ على تمثيل حليفه الزغرتاوي ولو اضطره الأمر إلى رفض الدخول في أيّ تشكيلة يغيب عنها. وفي المقابل، فإن الرئيس الحريري هو مع تمثيل المردة والكتائب ولا مشكلة لديه. أحد المقربين من رئيس الجمهورية يعترف بأن الرئيس بري في موقع قوة لأنه قد حظي بتأييد مطلق من حزب الله الذي أطلق يده، وفرضه شريكاً في عملية تأليف الحكومة الجديدة، تعويضاً عن الخسارة الكبيرة التي لحقت بدوره في الاستحقاق الرئاسي، والتي حملته على القبول بصيغة التسوية التي حملت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا. هكذا عوضّ حزب الله على رئيس المجلس النيابي، مرسياً معادلة إبقاء الحلفاء تحت مظلة العناوين الكبرى لقوى الثامن من آذار، على الرغم من أن التطورات المتسارعة منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول تخطت الاصطفافات القائمة، وفتحت الباب أمام تشكيل لوحة سياسية جديدة. هذا المصدر يرى أن جعجع قد يقبل في نهاية المطاف بتمثيل حزب الكتائب، لكنه سيرفض حتى الرمق الأخير تمثيل تكتل المردة. فدفتر الحسابات بينه وبين النائب سليمان فرنجية لا يزال مفتوحاً على صفحات كثيرة مليئة بالتفاصيل التي تسكنها شياطين الحساسيّات المناطقية. في أي حال، تبين أن التحالف القواتي - الكتائبي، كان تحالفاً كرتونياً هوى عند أول عاصفة، بدليل ما يُسرّ به بعض قادة الكتائب في مجالسهم، بأن جعجع يشن على الحزب حرب إلغاء سياسته، وأنه بعد فوز العماد عون برئاسة الجهورية بدأ رئيس حزب القوات اللبنانية يشعر بفائض من القوة يستخدمه للدخول كشريك مضارب مع العهد الجديد في الاستئثار بحصة وازنة من الحقائب الوزارية، والتعيينات الإدارية، ولا يُستبعد أن ينسحب ذلك على اللوائح الانتخابية المشتركة مع التيار الوطني الحر والطاشناق في الاستحقاق النيابي بعد ستة أشهر. وهذا ما دفعه إلى طرح موضوع إعطاء وزارة المال إلى القوات اللبنانية. ويقول مصدر مواكب لتشكيل الحكومة إنه لن يتمّ تحديد عدد أعضاء الحكومة ولا المرشحين لعضويتها، ولا الحقائب التي يتولونها قبل حسم الموضوعات الخلافية، وتحقيق الآتي: 1 تحديد الحصص 2 توزيع الحقائب السيادية والخدمية 3 الاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج عمل الحكومة الجديدة في الفترة المقبلة. 4 الاتفاق على كيفية معالجة موضوع سلاح المقاومة ومشاركة حزب الله في القتال الدائر في سوريا، وعلاقات لبنان الخارجية. وخلال زيارة نائب رئيس الجمهورية العراقية الدكتور أياد علاوي إلى وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، قال الأخير إن المعطيات تشير إلى إعلان الحكومة قبل عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني. ويرجح المراقبون أنه مثلما كان للبنان رئيس في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، سيكون للبنان حكومة قبل نهاية هذا الشهر، في أسوأ الاحتمالات. فالحجارة رميت على رقعة الشطرنج ولن يكون هناك مجال لوقفها أو إبدالها. ما كتب قد كُتب، خصوصاً أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيراً، لأنها ستكون فاصلاً بين مرحلة على وشك الإدبار، ومرحلة تتهيأ للإقبال نتيجة ما ستحمله صناديق الاقتراع في منتصف عام 2017، أو بعده بأشهر قليلة. فهل يُهدى اللبنانيون قانون انتخاب عصرياً، مرناً يسمح بإنتاج سلطة جديدة تشبه أحلام اللبنانيين في التغيير، أو يظل وطن الأرز مرة أخرى وطن الأحلام الموؤودة والممنوعة؟
مشاركة :