السيناتور جون كورنين والسناتور تشاك شومر بعد خروجهما من مؤتمر صحافي عقد في واشنطن مايو الماضي بشأن قانون «جاستا» (غيتي) لقانون بين تخاذل البيت الأبيض والحملة الإعلامية ضد السعودية •الخارجية الأميركية لـ«المجلة»: إدارة باراك أوباما «تتابع الردود السلبية على قانون جاستا في المنطقة ومن شركائنا» ومستعدة للعمل مع الكونغرس لتعديله واشنطن: جويس كرم ترددات يوم 28 سبتمبر (أيلول) حين ألغى الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب الفيتو الرئاسي وأعاد تمرير «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» المعروف باسم جاستا والذي يتيح لأهالي ضحايا اعتداءات سبتمبر 2001 مقاضاة المملكة أمام المحاكم الأميركية، هزت العلاقة السعودية الأميركية وضربت بعرض الحائط القانون الدولي والحصانة السيادية. وفي حين تعددت الأسباب التي أوصلت إلى «جاستا» من حملة إعلامية ممنهجة ضد الرياض، جاءت مضاعفاتها وتداعياتها غير المحسوبة لتعيد فتح السجال عن تعديلات على القانون قبل نهاية العام ولاحتواء الأضرار غير المحسوبة التي ستطال مصالح أميركا الدولية في حال معاملة الشركاء لواشنطن بالمثل. إلغاء الفيتو ولأول مرة في عهد أوباما قبل 114 يوما من خروجه من البيت الأبيض وبأكثرية ساحقة في المجلسين (97 1 في مجلس الشيوخ و348 77 في مجلس النواب) ليس انتكاسة عابرة، بل هو نتاج عدة خضات ومطبات سياسية من ضمنها حملة إعلامية منظمة ضد السعودية منذ 2009، تلكؤ من البيت الأبيض وبراعة في التوقيت من رعاة القانون لطرحه خلال موسم انتخابي يخوضه جميع أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ ومن ثم طرحه في الذكرى الـ15 للاعتداءات وكمقياس لمدى التضامن مع عائلات الضحايا. سر الإجماع النيابي وتخاذل البيت الأبيض يستغرب دبلوماسي عربي رفيع المستوى في واشنطن تحدث لـ«المجلة» النبرة العدائية الحديثة العهد في الصحافة الأميركية ضد عدة دول عربية بينها السعودية. ويقول الدبلوماسي إنه «في حين وقفت السعودية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في مبادرات الحرب والسلم في المنطقة، وهي شريك استراتيجي واقتصادي ودفاعي بامتياز، يتم التعامل معها في المنابر الإعلامية الأميركية وكأنها خصم وليس صديقا». هذه الحملة انعكست في افتتاحيات لصحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، تحت عنوان «العالم يحصد ما تزرعه السعودية» ، وأخرى تدعو إلى وقف بيع الأسلحة للمملكة. واعترض هذه الحملة أيضا مقالات لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في «نيويورك تايمز» آخرها حمل عنوان «فلنخلص العالم من الوهابية». هذه النبرة التي يرافقها حملة منظمة لمجموعات داعمة لإيران في العاصمة الأميركية هيأت للاتفاق النووي الإيراني و«البداية الجديدة» التي طالب بها أوباما مع طهران وتعثرت اليوم، وفيها تلميح مبطن أن التحالف مع إيران قد يكون بديلا استراتيجيا للعلاقة مع السعودية. وساهم هذا المناخ السياسي في تردي صورة السعودية بين الرأي العام الأميركي، وكشف استطلاع غالوب في فبراير (شباط) أن 55 في المائة من الأميركيين ينظرون للمملكة بشكل سلبي مقابل 37 في المائة بشكل إيجابي. ويشير الاستطلاع نفسه أن إيران وسوريا وكوريا الشمالية هي في قعر اللائحة وأن نسبة 79 في المائة من الأميركيين ينظرون لطهران بشكل سلبي. هذا المناخ المتحجر هيأ للدفع بمشروع جاستا الجالس في أدراج الكونغرس منذ 2009، ولم يتوقع الكثيرون أن يتحول لقانون. وتقول مصادر واكبت الاستشارات والعملية التشريعية بأن الإجماع على تأييده مرتين في الكونغرس لم يأت من فراغ، وبأن الرئيس أوباما والبيت الأبيض لم يقوموا بالحد الأدنى من الجهود والتحرك الميداني لإقناع الكونغرس بعدم التصويت على القانون بعد الفيتو الرئاسي في بداية سبتمبر. فرغم وصف أوباما للقانون بأنه «خطأ وسابقة خطيرة» و«مثير للحرج»، وتوجيه وزير الدفاع آشتون كارتر رسالة للكونغرس تحذر من تداعياته على الأمن القومي، لم يتحرك البيت الأبيض بالشكل المطلوب لوقفه. وتقول المصادر المواكبة لـ«جاستا»، بأن ما حصل هو اعتكاف أوباما شخصيا ومسؤولين رفيعي المستوى حول الرئيس عن القيام بتحرك إعلامي أو الاجتماع بالنواب لوقف المشروع. فعلى عكس ما حصل لدى تسويق الاتفاق النووي الإيراني بين 13.2 و15.2 وحين كانت هناك حملة إعلامية شرسة من البيت الأبيض، غاب المسؤولون الأميركيون عن البرامج التلفزيونية للتحذير من عواقب المشروع. لا بل فإن أعضاء من الحزبين في الكونغرس تحدثوا علنا عن تجاهل البيت الأبيض لاتصالاتهم للمطالبة بإيضاحات حول «جاستا». وهنا أغلق البيت الأبيض الباب أمام معالجة التحفظات وتجاهل مطالب السيناتور الجمهوري بوب كوركر وزعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي بطرح تعديلات على المشروع بعدما بات ضمان الثلثين لكسر الفيتو أمرا حتميا في منتصف سبتمبر. ووفر موقف بيلوسي الغطاء السياسي والتشريعي للنواب الديمقراطيين في مجلس النواب للتصويت لكسر الفيتو. وحتى السيناتور الديمقراطي تشاك شومر الذي تبنى المشروع قال لـ«نيويورك تايمز» بأنه أعطى البيت الأبيض أسبوعا كاملا لطرح تعديلات على المشروع قبل التصويت وأن الرئيس ومن حوله تجاهله. واقتصرت جهود أوباما على رسالة وجهها لزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور هاري ريد وهو الوحيد من أصل 100 سيناتور صوت ضد «جاستا»، قال فيها بأن تداعيات القانون تتخطى السعودية وهجمات سبتمبر وأن له مضاعفات بعيدة المدى يمكن أن تهدد المبادئ التي تحمي الولايات المتحدة بما في ذلك قواتها العسكرية في الخارج ودبلوماسيوها. ولكن هذه المعارضة المبدئية لم تترجم إلى جهد عملي. أسلوب البيت الأبيض وجهود الحد الأدنى لوقف المشروع فضحهما نواب من الحزبين. إذ انتقد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الجمهوري ريتشارد بور الرئيس أوباما مباشرة، وقال: إنه يشارك زملاءه قلقهم من مضاعفات جاستا، وتابع: «ولكن يبدو أن الأمر ليس مهما بما فيه الكفاية لكي يرفع الرئيس إصبعه». وقال كوركر لصحيفة «بوليتيكو»: «التواصل من البيت الأبيض حول هذه القضية هو صفر حاولت الاتصال تكرارا والرد هو صفر». فيما قال السيناتور جون كورنين بأن «الأمر المثير بالنسبة لي هو المسافة التي تفصل البيت الأبيض عن أي شيء له علاقة بالعملية التشريعية.. اتصالاتهم محدودة وصدقيتهم محدودة، ليس فقط مع الجمهوريين ولكن أيضا مع الديمقراطيين». ودفع هذا الأمر إلى طرح تساؤل حول إذا ما كان موقف أوباما مرتبطا بأسباب انتخابية أو بعلاقته المتقلبة مع المملكة أو أن البيت الأبيض ينتظر ما بعد الانتخابات الرئاسية لإعادة طرح مشروع جديد يفرض تعديلات على جاستا ويحمي الحصانة السيادية للسعودية. إذ يشكل جاستا وبتداعياته القانونية ضررا عكسيا على الولايات المتحدة أكثر من غيرها بسبب نزعه «الحصانة السيادية» وهو المبدأ الذي يحمي الدول الأجنبية ودبلوماسييها وعسكرييها من الدعاوى الخارجية. ويعني ذلك أن تعامل دول أجنبية بالمثل مع الولايات المتحدة، سيطال مباشرة الحضور الأميركي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الأكثر كثافة في العالم بدعاوى حول اعتداءات لطائرات من دون طيار، أو سجون للاستخبارات أو ضربات جوية. ولذلك أجمعت النخبة القانونية والدفاعية الأميركية على رفض «جاستا» وحتى صحف «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«ذي هيل» في افتتاحيات يوم التصويت وبعده حذرت من مخاطر القانون. وبدا أن الجهة الوحيدة عدا عن رعاة القانون المتحمسة لجاستا هي اللوبيات المؤيدة لإيران بينها «المجلس الوطني الإيراني الأميركي» ورئيسه تريتا بارسي الذي غرد على «تويتر» بعد تمرير جاستا وقال: «إذا كانت السعودية تحتاج إلى 10 شركات علاقات عامة (في واشنطن) فهي حتما مذنبة». ماذا بعد جاستا التناقضات التشريعية والسياسية التي أحاطت قانون جاستا استمرت بعد تمريره. فالتحفظات من أعضاء في مجلس الشيوخ على القانون بعد الموافقة عليه بدأت بعد ساعات من تمريره، وفي مؤشر يعكس أن كسر الفيتو كان لأسباب عاطفية وانتخابية أكثر مما هي جيواستراتيجية، مما يرجح أن تعديلات قد تطرأ على القانون بعد الانتخابات الأميركية. وبعد أيام من تمريره بعث نحو 30 عضوا في مجلس الشيوخ برسالة إلى العضوين اللذين رعيا مشروع القانون الديمقراطي تشارلز شومر والجمهوري جون كورنين طلبا منهما التعاون من أجل تخفيف وقع النتائج غير المقصودة لمشروع القانون على الأمن القومي. كما بدأ زعيم مجلس النواب بول ريان وزعيم مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الاستشارات لإيجاد مخرج تشريعي يحد من أضرار القانون. كما زار العاصمة الأميركية منذ تمرير المشروع وزراء سعوديون بارزون ، وبحثوا بالشراكة الاستراتيجية واحتواء تداعيات جاستا. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«المجلة» بأن إدارة باراك أوباما «تتابع الردود السلبية على قانون جاستا في المنطقة ومن شركائنا»، وهي «مستعدة للعمل مع الكونغرس لتعديله». وأوضح المسؤول: «عبرنا منذ البداية عن تحفظاتنا حول هذا القانون ونبقى قلقين من تداعياته غير المقصودة للولايات المتحدة ودبلوماسييها في الخارج». وأضاف: «إن الرئيس أوباما استخدم الفيتو ضد المشروع لأنه يهدد مبادئ الحصانة السيادية، ونحن اليوم منفتحون على العمل مع الكونغرس للحد من التداعيات السلبية للقانون». وشدد على «صلابة العلاقة السعودية الأميركية والتي صمدت أمام اختبار الوقت ومبنية على نطاق واسع من المصالح». وأكد المسؤول أن واشنطن ستستمر بالعمل مع الرياض في شأن القضايا الإقليمية والدولية، فيما أكدت مصادر معنية بالاستشارات حول التعديلات على «جاستا» أنها تطال «إما تغيير القانون برمته أو إعادة الحفاظ على الحصانة السيادية». وأشارت إلى أن الكونغرس وافق على القانون لأنه لم يرد الظهور بأنه ضد عائلات 11 سبتمبر وقد يتجه اليوم «إلى الحد من صلاحيات جاستا بتركيزها فقط على قضايا متعلقة بـ11 سبتمبر، وإعطاء الخارجية الأميركية تفويضا لتقويض الدعاوى في حال كانت تهدد الأمن القومي». نكسة «جاستا» هي تعبير عن تقلبات في الوسط الأميركي على المستوى السياسي والشعبي في التعاطي مع السعودية، ومفتاح تخطيها هو في حوار صريح وشفاف يضع الأمور في نصابها ويركز على الشراكة الاستراتيجية الأمنية والسياسية والاقتصادية بين البلدين والتي كانت محور زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن الصيف الفائت. هذه الشراكة تبقى صمام أمان العلاقة السعودية الأميركية قبل جاستا وبعده.
مشاركة :