أكد عدد من الشعراء والمثقفين ان الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعية ليستْ منابر حقيقية للتعبير عن الرأي مثل الكتب، ويؤكدون أن الفضاء الإلكتروني أكثر رحابة وأوسع صدرًا من أقفاص التأليف الورقي حيث الحرية المنضبطة بالضابط الأخلاقي. حول الكتابة في مواقع التواصل كان ل«الجسر الثقافي» هذا اللقاء مع مجموعة من المثقفين: محمل الجد في البداية يقول الروائي طارق بكاري: لا أعتقد أنًّ هناكَ ازدواجية ولأن أغلب المثقفين يدركونَ أن النص فيها سرعان مايدركه النسيان فإنهم في الغالب لا يحملونَ أمرها محمل الجد وهو الأمر الذي يحملُ القارئ «أحيانًا» على الظن بأنّ هناك تناقضًا. شخصيًّا أتلافى التعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي وأقتصر على نشر مقتطفات من أعمالي أو المقالات التي تناولتها بالنقد والتحليل. العالم الافتراضي فيما يرى من جانبه الشاعر شاكر الغزي أنّ فلسفة العالم الافتراضي قائمة على الصداقات، ولا يمكن لمنشورات المثقف ــ التي هي أفكاره بطبيعة الحال ــ أن تأخذ نصيبها من التداول ما لم يكن له عدد كبير من الأصدقاء، ولديمومة هؤلاء الأصدقاء، القادمين من جغرافيا مختلفة فكرياً واجتماعياً، على المثقف أن يداهن ويطرح أفكاره بأساليب ربما تضطره لتزويق الحقيقة أو تزييفها أو ترتيقها، كما يقول وايلد: إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون، وإلا فسوف ينسونك. مواقع التواصل الاجتماعي هي استرقاق من نوع جديد، لأنها ببساطة تمنعك من قول الحقيقة، ولعدة أسباب منها: اللباقة، مراعاة مشاعر الآخرين، عدم الاستعداد النفسي للخوض في جدل عقيم، ووو... وبحسب وايلد ثانيةً: العبد الحقيقي هو الذي لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية. في المؤلفات، يمكن للمثقف أن يتحرر ــ ولو قليلاً ــ من هذه العبودية الجديدة. وجهه الآخر فيما ترفض الناقدة المسرحية صفاء البيلي الاتهام وتقول: ومن قال لنا انه تناقض.. بعض الناس، تكتب واقعها على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي حتى انك تضجر منه او تتعجب من قدرته على كتابة ما يمر به من مواقف حتى في أكثر المواقف شخصية وحساسية تتعجب من تلك الجرأة، فتراه يكتب ماذا أكل وماذا شرب وماذا فعل ابنه وما رد فعل زوجته إزاء مواقف ما.. والبعض الآخر يجعل صفحته متنفسا لوجهه الآخر الذي كان يتمنى أن يكونه، فتراه مثلا.. حكيما يسطر الحكم والفلسفة يأتي بها من هنا او هناك وهو في واقعه لا يستطيع بناء جملة بدائية مفيدة وهناك من يلبس مسوح التقوى فتراه يطرز صفحته بأذكار الصباح والمساء يرسل لأصدقائه الفوائد في ذلك.. وهو ربما يعاني من خلل ما في علاقته بالله. وهناك من يبدو في صورة الحمل على صفحته، قليلون هم الذين يستخدمون صفحات التواصل الاجتماعي بشكل محدد وواضح...وغالبا يكونون من الشخصيات العامة التي تكتب اسمها الحقيقي.. والتي لها قاعدة من الجمهور ويكون الهدف من التواصل معلوما واضحا ويكون ما يكتبه الشخص واضحا، لا أنكر وجود الازدواجية وغياب الشخصية كثير وانمحاقها تحت ضغط اللايك والشير والتاج والتفاعلات بالغضب والحب والدهشة والحزن. لكنني أيضا لا أنكر وجود شخصيات واضحة لا تشكو من أمراض الازدواجية التي قد تجعل الواقعين الحقيقي والافتراضي سجنا لا مفر منه. جمهور الكاتب ويشرح الناقد والقاص سمير الشريف المسألة: الكاتب الذي ترسخت أقدامه في الكتابة وأصبحت له بصمته وتميز بمعجم لغوي يدركه ويلمسه المتلقي الجاد لا أظن أن بإمكانه ان يفعل ذلك، بمعنى أن يكون له قناعان مختلفان واحد للتواصل ومنابره وآخر للكتابة الجادة، اللهم الا إن كان بعضهم يرى أن جمهور الفيس وتويتر وخلاف ذلك من المنابر لا ترتقي لمستوى جمهور الكاتب الجاد وعمقه وما يحتاجه من طول نظر وعمق وتقليب لوجوه المعاني فيما يقرأ. وربما يكون مع بعض الكتاب بعض الحق فيما يرون، خاصة وان الوسائل الحديثة تحتاج سرعة واختصارا يتماشى مع ضرورات السرعة. شخصيا لم امارس مثل ذلك إلا في حدود التكثيف والاختصار مراعاة لما يقتضيه حال المتابعين على الفيس وتويتر على سبيل المثال، والكاتب هنا وهناك يجب أن يحافظ على خطه الفكري وأسلوبه أينما كتب. أكثر رحابة فيما يقول الشاعر صالح الهنيدي: اعتقادي أن الفضاء الإلكتروني أكثر رحابة وأوسع صدرًا من أقفاص التأليف الورقي حيث الحرية المنضبطة بالضابط الأخلاقي فحسب.. هناك ازدواجية لدى بعض الكتاب بين ما يكتبونه في تأليفاتهم وبين ما يثرثرون به في مواقع التواصل الاجتماعي حيث انعدام الفوقية لدى بعضهم بحيث شعر الجميع بأنهم أبناء «إلكترون واحد».. وأرى أنه سيأتي وقت يصبح الكتاب الورقي مجرد ذكرى جميلة وينقضي زمن الفوقية الثقافية.
مشاركة :