كشفت الداعية الشهيرة د. آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية والعميدة السابقة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، عن اعتزامها تقديم مشروع قانون للبرلمان المصري ينص على اقتسام ثروة الزوجين بينهما إذا ما حدث الطلاق. وقالت الأستاذة الأزهرية: ما يحققه الزوج من ثروة بعد الزواج يكون عادة نتاج جهد مشترك بينه وبين زوجته، وبالتالي فمن العدل أن يتم اقتسام الثروة بينهما، في حالة حدوث طلاق.. مؤكدة أن هذه الفكرة ليست جديدة، بل قامت بطرحها أكثر من مرة في مناقشات علمية من خلال مؤتمرات وندوات، وذلك في إطار اهتمامها بقانون الأحوال الشخصية المصري، وما فيه من ثغرات ظالمة للمرأة - على حد وصفها - وطالبت البرلمانات العربية بالسعي للدفاع عن حقوق المرأة ، خاصة المطلقة والمعيلة، من خلال ما قررته الشريعة الإسلامية. طرحنا مطلب النائبة على عدد من علماء الشريعة الإسلامية للوقوف على مدى مشروعية هذا المطلب وتحقيقه للعدالة بين الزوجين.. فكانت هذه ملاحظاتهم وخلاصة ما اتفقوا عليه ونصحوا به. في البداية يؤكد الشيخ علي أبو الحسن ، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل ما يحقق العدالة بين الزوجين، ويحفظ لكل منهما حقوقه المالية والمدنية.. ويقول : الإسلام جعل للمرأة المتزوجة شخصيتها الكاملة وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته، إذ لكل منهما ذمته المالية المستقلة، فلا شأن للزوج بثروة زوجته أو بدخلها أو راتبها، فهما في شؤون الملكية والثروة والدخل منفصلان تماماً ، وعقد الزواج لا يرتب أي حق لكل منهما قبل الآخر في الملكية أو الدخل.. فلو تزوجت امرأة ثرية من رجل فقير ، فلها أن تحتفظ بمالها لنفسها ولا يحق له أن يأخذ شيئاً من هذا المال إلا برضاها، بل هو مطالب شرعاً بالإنفاق عليها من ماله، ولو تعسر أنفقت على نفسها وكان مديناً لها بما أنفقته لو طالبته هي بذلك . أموالها حق لها من هنا - والكلام على لسان الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر - لا يجوز للأزواج مصادرة أموال زوجاتهم أو رواتبهن أو اقتسامها معهن بدعوى المشاركة في نفقات البيت وتلبية احتياجات الأسرة، ومن يفعل ذلك فهو مخطئ ومخالف لتعاليم الإسلام التي تفصل تماماً بين الرجل وزوجته حتى ولو كان راتبه محدوداً ، حيث لا يجوز أن يأخذ شيئاً من مال زوجته إلاّ برضاها وطيب نفس منها. ويؤكد الشيخ أبو الحسن أن حقوق الزوجة المادية الواجبة على الزوج معروفة ومحسومة شرعاً، فالمرأة مكفولة النفقة في بيت زوجها، بل هي مسؤولة من الزوج بمجرد العقد عليها حتى ولو كانت لا تزال في بيت أهلها ، فنفقة الزوجة على الزوج ، ولو كانت الزوجة صاحبة مال وثروة . وعن حدود النفقة الواجبة للزوجة على زوجها ، يقول عالم الفتوى الأزهري: النفقة حق من حقوق الزوجة على زوجها منذ قيام الحياة الزوجية ، فهذا ما قضت به الشريعة الإسلامية سواء أكانت الزوجة غنية أم فقيرة ومن النصوص القرآنية الشاهدة على ذلك قول الحق تبارك وتعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قُدر عليه رزقُه فلينفق مما آتاه الله لا يكلّف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل اللهُ بعد عسرٍ يسرا.. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما سأله رجل: ما حق المرأة على الزوج؟ قال له: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت وسأله رجل: يا رسول الله عندي دينار فقال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي آخر. قال: تصدق به على ولدك، قال عندي آخر: قال: تصدق به على خادمك. دين عدل ورحمة هذه النصوص وغيرها - كما يقول الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر - توضح حجم ما يحمله الإسلام من تقدير للمرأة ومن رعاية لها وإلزام الرجل بأداء الواجب معها.. وهي أيضا لا تلزم الرجل بأكثر مما يستطيع، فالنفقة على الزوجة على قدر يسار الزوج، فمن كان بقدرته أن يوسع على زوجته وأولاده وقتر عليهم كان بخيلاً وأصبح من حق زوجته أن تأخذ ما يكفيها وأولادها من ماله من دون علمه وفقاً لما ذهبت إليه جماعة من الفقهاء، ومطلق هذه الإباحة أن الإسلام دين عدل ورحمة ولا يقبل أن تعيش زوجة محرومة من نعم الله وزوجها قادر ماديّاً على الوفاء بحاجاتها وحاجة أولادها . ويتحفظ عالم الفتوى بالأزهر على مطلب د. آمنة نصير، ويقول: في ظل عدالة الإسلام وحرصه على حماية أموال كل من الزوج والزوجة لسنا في حاجة إلى مطالبة الزوج باقتسام ثروته مع زوجته المطلقة، لأن من حق الرجال المتزوجين من نساء يمتلكن المال أن يبتزوهن ويساوموهن على الطلاق بالمنطق نفسه والمبررات نفسها التي تقدمها النائبة البرلمانية والأستاذة الأزهرية.. ولذلك ليس للزوجة المطلقة في ذمة زوجها إلاّ ما تقرره لها الشريعة الإسلامية من نفقة. حالة نادرة د. محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة حلوان وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يتفق مع الشيخ أبو الحسن في تحفظه ويؤكد أن لكل من الزوجين- في فلسفة الشريعة الإسلامية - ذمته المالية المستقلة فلا حق للرجل في مال زوجته، ولا حق للزوجة في مال زوجها، وما تطالب به د. آمنة نصير من اقتسام الثروة بين الزوجين عند الطلاق لا يكون عادلاً ومنطقياً إلا في حالة واحدة وهي اختلاط مال الزوج والزوجة بعد الزواج من دون وجود حدود بينهما، وبحيث تكون هذه الثروة المراد اقتسامها حصيلة جهد وكفاح الطرفين، وهذا قليلاً ما يحدث، حيث يحرص كل طرف على أن تكون هناك حدود تفصل ثروة الرجل عن زوجته حتى ولو كان هناك تعاون بينهما في بعض الأمور مثل الإنقاق على الأولاد والمعيشة وغيرها، فقد يحدث هذا التعاون مع احتفاظ كل منهما بثروته لنفسه. وحول مشروعية اشتراط اقتسام الزوجين للثروة عند الطلاق في عقد الزواج، يقول د. الجندي: يمكن اشتراط ذلك في وثيقة مستقلة لو توافق على ذلك الزوجان بعيداً عن عقد الزواج، حيث لا ينبغي أن نقحم فيه شروطات مادية غير ما قررته الشريعة الإسلامية، وما قررته الشريعة موجود في القوانين والتشريعات المنظمة للأحوال المادية. وعن حصول الزوجة على (شيك أو وصل أمانة) بمبلغ مادي معين تطالب به الزوج إذا ما طلقها كتعويض لها يقول عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: الشريعة الإسلامية قررت للزوجة التي يطلقها زوجها ضراراً تعويضاً لما لحق بها من ضرر، فمن حقها أن تأخذ مؤخر صداقها ونفقة المتعة ونفقة الأولاد لو كان معها أولاد، لكن لو توافقت مع زوجها على الحصول على مبلغ معين عند الطلاق ووقع على وثيقة تؤكد ذلك فلا حرج، فالمؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراماً أو حرّم حلالاً. إيقاظ الانتهازية د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يرى أن وجود مثل هذا التشريع سيفتح باباً واسعاً للاستغلال وإشاعة الانتهازية بين الزوجين، ويقول: الشريعة الإسلامية أقرت حقوقاً لكل من الزوجين، وألزمت كلّا منهما بعدم الاقتراب من مال الآخر، وكما يكون الزوج ثريّاً وصاحب مال قد تكون الزوجة كذلك، ولو أبحنا للزوجة اقتسام ثروة زوجها عند الطلاق كان من حق الزوج أن يطالب هو الآخر باقتسام ثروة زوجته.. وهنا قد يحدث الاستغلال والطمع من أحد الزوجين في مال الآخر وتفسد العلاقة بينهما حتى تصل إلى أبغض الحلال طمعاً في المال. فالزوجة التي تعلم أنها ستشارك زوجها في ثروته في حالة الطلاق ستنكد عليه حياته لكي يطلقها ويتخلّص من نكدها، وذلك طمعاً في المال الذي تبحث عنه وليس بحثا عن راحة البال، فهناك نوعية من النساء لا يهمّهن إلّا مال الزوج وليس لديهن مانع من التنقل بين الأزواج بحثا عن هذا المال وما يحدث من جرائم أسرية في مختلف بلادنا العربية يؤكد وجود هذه النوعية. أيضا.. هناك أزواج لا همّ لهم إلا ثروة الزوجة وما تمتلكه من أموال وممتلكات والسماح باقتسام الثروة قانوناً عند الطلاق سيدفع هؤلاء الرجال إلى الإبداع في تحويل الحياة الزوجية إلى جحيم ليدفعوا زوجاتهم إلى طلب الطلاق. وهنا ينصح د. صبري عبد الرؤوف بالوقوف دائما عند حدود ما قررته شريعة الإسلام في تنظيم العلاقة بين الزوجين، خاصة ما يتعلق بالأمور المادية والتي هي محل خلاف، حيث يحدث الطلاق - في حالات كثيرة - نتيجة هذا الخلاف والطمع المتبادل بين الزوجين. شرط جائز سألت د. عبد الرؤوف: هل من حق الزوجة أن تشترط على زوجها عدم الاقتراب من راتبها عند عقد الزواج؟ قال: نعم من حقها أن تشترط ذلك عند الزواج، وإذا ما وافق الزوج فليس له أن يطالبها بشيء من راتبها بعد ذلك.. لكن لو اتفقا على اقتسام الراتب أو على مشاركة الزوجة بنسبة منه في نفقات البيت، فليس لها الرجوع فيما اتفقت عليه، وإلاّ كان من حق الزوج مطالبتها بالتفرغ للبيت وترك العمل.. فالإسلام يحترم العقود، وما تم الاتفاق عليه بين الزوجين ينبغي أن ينفذ والتخلي عنه بعد ذلك يكون بموافقة الطرفين. وعن تزايد المشكلات والنزاعات المادية بين الأزواج والزوجات في بلادنا العربية يقول أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر: للأسف ، هذه المشكلات تنكد على كثير من الأسر، حيث يعيش الزوجان في صراع دائم بسببها، ولو اهتدى هؤلاء بهدي الإسلام لما عانوا من هذه المشكلة.. والموقف الشرعي هنا واضح ومحسوم ؛ فالإسلام أعطى للمرأة المتزوجة شخصيتها المالية المستقلة تماماً عن شخصية زوجها وثروته ، فلكل منهما ذمّته المالية المستقلة ، فلا شأن لها بما يكسبه أو ثروته، وليس لها من كل ما يملكه زوجها إلا نفقتها الواجبة، وكذلك الأمر بالنسبة للزوج، فلا شأن له بثروة زوجته أو بدخلها أو براتبها، فهو ملكية خاصة بها، ولا يجوز أن يأخذ الزوج منه شيئاً إلا برضاها.. ولو التزم كل زوجين بهذه القاعدة لما حدث بينهما خلاف أو نزاع، لكن للأسف يأتي النزاع والشجار بسبب الخروج على ما قررته شريعة الإسلام وبسبب الأطماع الشخصية من جانب الزوج أو الزوجة.
مشاركة :