ذاكرتك هي إحدى قدرات دماغك، وهي تتولى مهمة تخزين المعلومات ومعالجتها واسترجاعها من خلال عشرات المليارات من الخلايا والوصلات العصبونية الفائقة الدقة والتشابك. وهناك تصنيفات عدة للذاكرة استنادا إلى مدتها، وطبيعتها، واسترجاعها للحالات الشعورية. فهناك «الذاكرة القصيرة جدا» التي تتعامل مع الإشارات اللحظية العابرة التي تأتي باستمرار من إحدى الحواس، وتقوم على هذا الأساس باستثارة مواقع حسية محددة في الدماغ للتعامل والتفاعل مع الموقف اللحظي الراهن فقط دون اختزان تفاصيله الفرعية. وهناك «الذاكرة القصيرة» المسؤولة عن تخزين بعض المعلومات المرتبطة بالحدث اللحظي في فص الدماغ الأمامي، خلف الجبهة مباشرة. كما ينقل مركز الحصين (الهيبوكامبوس) بعض تلك المعلومات للتخزين في مركز الانفعال في الدماغ لمدة طويلة. وهناك «الذاكرة الطويلة» التي تتولى تخزين انطباعات الإشارات والأحداث بشكل دائم في مراكز دماغية معينة لاستدعائها لاحقا عند الضرورة. لكن هل هناك ثمة علاقة بين النوم والذاكرة؟ أشارت نتائج ابحاث إلى أن الدماغ يعمل بنشاط أثناء النوم. فخلال ساعات اليقظة يقوم الدماغ بحفظ المعلومات في ذاكرة قصيرة موقتة، ثم يبدأ في معالجتها وتحليلها أثناء النوم العميق لتخزينها في الذاكرة الطويلة. وفي الذاكرة الطويلة تنسّق المعلومات وتُربط مع معلومات أخرى سابقة. وهذا يعني أن الذاكرة القصيرة الموقتة تفرغ محتوياتها لتتمكن من تخزين معلومات جديدة أثناء اليقظة في اليوم التالي بل أنه اتضح أن الذاكرة قد تتمكن من استرجاع معلومات معينة في أثناء النوم أو حتى حلا لمسألة رياضية لم تخطر على بال صاحبها وهو مستيقظ. ولكن ذلك الحل يكون مبنيا بطبيعة الحال على ما سبق وأن تعلمه الشخص أثناء اليقظة. وبتعبير آخر، لا شيء يُنتج من فراغ. وقد يستغرب البعض إذا عرفوا أن «النسيان» هو جزء صحي مهم لعمل الذاكرة، لكن شريطة أن يكون بمعدل طبيعي. فالنسيان الطبيعي هو في حقيقته عبارة عن آلية تلجأ اليها الذاكرة بانتظام لتتمكن من مواصلة مهامها بكفاءة. ويميز المختصون بين نوعين من النسيان. ففي النوع الأول تختفي المعلومات من الذاكرة تماما بلا رجعة. وفي النوع الثاني لا تختفي المعلومات بل يصبح من الصعب على الذاكرة استرجاعها لأسباب عدة من بينها تراكم معلومات جديدة عليها. لكن ينبغي التنبيه إلى أن هناك فرقا كبيرا بين النسيان الطبيعي العارض، وفقدان الذاكرة. ففقدان الذاكرة هو «نسيان مرضي» ينجم عن اضطراب يؤدي إلى عدم تذكر المعلومات والمهارات الخبرات التي مر بها الفرد. ومن بين أبرز أسباب فقدان الذاكرة: تقدم العمر، ومرض «الزهايمر»، وإصابات الرأس الحادة، وحالات الهيستريا الشديدة، وبعض حالات الإدمان على المخدرات والكحوليات، والصدمات الدماغية، والعلاج لفترات طويلة بالصدمات الكهربائية. وأيا كان سبب فقدان الذاكرة أو تراجعها، فإن المعالجة لا ينبغي أن تكون إلا على أيدي أطباء مختصين كي يدرسوا العوامل والمسببات البدنية والنفسية كي يقرروا برنامج العلاج المناسب.
مشاركة :