محمد رُضا سرقة كبيرة يخطط لها ثلاثة أشخاص، يدرسونها جيداً، يسدون ثغراتها، ويتأكدون من أنها لا تعاني أي خلل، حتى تكاد تكون كاملة، إلّا أن هناك مشكلة واحدة: اللصوص الثلاثة كل منهم تجاوز الستين. هذه قصّة فيلم ماضون بأسلوب أحد آخر أفلام مورغان فريمان، الذي يشاركه في بطولته مايكل كاين وكريستوفر لويد. مورغان فريمان، ذلك الممثل المحبوب، الذي ارتبطت صورته منذ بداياته في النصف الثاني من السبعينات، في أذهان المشاهدين، بشخصية الرجل الطيب الوديع، الذي تبعث رؤيته على الثقة والاطمئنان، كما أنه ذلك الرجل الجاد الذي لا يمكن أن يتنازل عن جدّيته. لكن هذا الرجل سينتقل هذه المرّة إلى الجانب الآخر من الحياة، جانب الخارج عن القانون، ومع ذلك فهو ليس شريراً؛ لأن فريمان لن يستطيع أن يقنع أحداً بأنه شرير. ماضون بأسلوب إذاً سيكون دوراً جديداً عليك ؟ أعتقد ذلك، لكنه دور لا يمكن تصديقه، في فيلم لا يمكن تصديقه أيضاً. لكن عندما وجدت أن شركائي في الجريمة سيكونان مايكل كاين وكريستوفر لويد، قلت: لم لا؟. بعض الممثلين يحاولون، عندما يتجاوزون سن الشباب، البقاء في نطاق الأدوار الطيبة التي لا تخدش تاريخهم. هل فكرت في هذا الاحتمال؟ تقصد احتمال أن أشوه الماضي؟ طبعاً. لذلك أردت القيام بهذا الفيلم (يضحك). لا.. الواقع أن هذا الدور لا يوجد فيه ما يعارض أدواري السابقة، لا يوجد دور ما، يمكن أن يمحو ما أسسه ممثل عبر سنوات عمله. الأمر الوحيد الذي قد يدمر تاريخ الممثل، هو إذا ما قام باختيار سلسلة من الأدوار الرديئة والسخيفة، في أفلام لا معنى لها. من وجهة نظرك.. ما هي أفضل أفلامك في السنوات العشر الأخيرة؟ لا أدري؛ لأنه عندما نصل لاختيار الأفضل فإن عملية اختزال واسعة تحدث، وربما يسقط ضحيتها أكثر من عمل جيد، إما بسبب كثرة الأفلام أو بسبب نسياني لها، لكني أعتقد أن إنفيكتوس هو واحد من أفضلها. هو الفيلم الذي أديت فيه دور نلسون مانديلا. صحيح. وهو أيضاً ثالث فيلم مثلته تحت إدارة كلينت إيستوود. نعم. حسب علمي لم يعتمد إيستوود على ممثل رئيسي واحد لأكثر من فيلمين. صحيح؟ نعم. اعتمد على ممثلين أكثر من مرة في أدوار مساندة، وهذا ما يدفعني لسؤالك حول العلاقة المهنية التي بينكما. كيف بدأت؟ بدأت قبل 25 سنة، عندما اختارني لمشاركته في بطولة غير المسامح. استغربت حقيقة من اختياره لي، أو لكي أكون أكثر دقة لاختياره ممثلاً أمريكياً من أصل إفريقي ليشاركه في البطولة. لكن السيناريو كان مكتوباً جيداً، ويبرر ذلك الاختيار على نحو مثالي. أي ممثل أبيض أو أسود، كان سيقع في حب هذا الدور، خصوصاً، إذا ماكان من إخراج إيستوود، ومنذ ذلك الفيلم أدركت أهمية العمل معه وربحت صديقاً. ثم جاء فيلم فتاة المليون دولار قبل نحو 12 سنة. ومرّة أخرى لم يكن من المهنية رفض هذا الدور الرائع، ثم إنفيكتوس. هذه هي القصة. لاحظت أنك في كثير من الأحيان، تؤدي أدواراً لا تتعلق بلون البشرة، أعني أن الدور قد يؤديه ممثل أبيض أو أفرو أمريكي. هل هذا صحيح؟ نعم، هي ملاحظة صحيحة. هناك نوعان من الكتابات، أحدهما يقدّم الممثل حسب جنسه وعنصره، صيني أو أسود... وآخر مكتوب من دون الالتفات إلى هذا. ولسبب ما، اعتدت تلقي مشاريع غير مكتوبة على أساس عنصري. من حسن حظي أنها ليست مكتوبة لي كممثل أسود، بل هي موجّهة لي كممثل فقط. بالنظر إلى تاريخك المهني الطويل، هل تعتقد أن ممثل الجيل الحالي لا يستطيع الاحتفاظ بنجوميّته طويلاً؟ لا، لا أعتقد ذلك. هذه المهنة تتطلب شيئين أساسيين: المثابرة والحظ. لا أكترث من أنت أو أين أنت؟ ... الحظ يلعب دوراً كبيراً في نجاحك، وإذا ما أردت أن تبقى محظوظاً، عليك أن ترقص على رؤوس أصابعك، عليك أن تواصل الحركة والاندفاع. هذه هي المثابرة. هل هناك فرق بين التمثيل في فيلم صغير الإنتاج مثل سحر بيل آيل، وآخر كبير الإنتاج مثل صعود الفارس المظلم؟ مادمت أؤدي الدور المسند إليّ برغبتي، فإنه ليس هناك من فوارق. الممثل مصنوع لكي يمثّل، بصرف النظر عن طبيعة الإنتاج. بل أعتقد أن الانتقال من نوع سينمائي إلى آخر مفيد. كذلك مهم الانتقال من دور في فيلم ضخم مثل أفلام باتمان، إلى دور في فيلم مصنوع لجمهور محدود. ربما اعتياد نوع واحد، هو الخطأ الحقيقي، في مهنة تتطلّب الكثير من المعرفة. في أكثر من فيلم مثّلته تظهر حناناً للماضي. ما هي ذكريات الماضي التي تستهويك؟ كثيرة، منها ركوب الحصان في سفر طويل. أتذكر عربة العائلة التي كان يجرّها بغلان، كنت في الثامنة من العمر، وكان والداي يستخدمانها في الانتقال من المزرعة إلى البلدة. كنت أستيقظ في الرابعة والنصف صباحاً، وأنضم إلى والدي في الحقل حتى مغيب الشمس، عمل لا أتمنّاه لأبغض أعدائي. لكن إذا ما قارنت بين تلك الأيام وهذه الأيام التكنولوجية التي نعيش، تجد أن عالم الأمس كان أكثر أمناً. هناك كثيرون لا يؤمنون بأننا ندمّر الحياة على الأرض بهذه التكنولوجيا، لكننا نفعل ذلك. بعد 1000 سنة قد ينتهي هذا الكوكب تماماً. زرت دولاً كثيرة حول العالم، من بينها دولة الإمارات، كيف تجد العالم الذي نعيش فيه؟ أنا إنسان متفائل جداً وحذر جداً في الوقت نفسه. متفائل بالإنسان، وحذر من المستقبل، خصوصاً بالنسبة لمدى الاعتماد على التكنولوجيا، ومن العوامل التي تؤخر نمو الشعوب مثل العوامل الاقتصادية المؤثرة في النمو. الإمارات دولة تحدت العوامل ونجحت، ولا تزال في رأيي نموذجاً فريداً في هذا العالم، بعد زيارتي خرجت بمعرفة جديدة عن البلد والناس والنشاطات الثقافية. كذلك سعدت بكل زيارة قمت بها إلى كل دولة في إفريقيا أو آسيا، حيث فتحت عيني على ما لم أكن أعرفه. حتى في هذا العصر لا تستطيع التكنولوجيا أن تمنحنا السعادة ذاتها، التي يمنحنا إياها الإطلاع على الحقائق مباشرة. كيف تفسر شعبيتك الكبيرة حول العالم؟ (يضحك) كيف يمكن لي أن أفسرها سوى أنني سعيد جداً بها؟ هي جزء من النجاح الذي يتمناه الممثل، وأكثر وجوه هذا النجاح إثارة بالنسبة لي. أنا سعيد به. هل تشاهد الأفلام التي تمثّلها أو أنك لا تريد مشاهدتها، مثل ممثلين آخرين، لا يرغبون في ملاحظة ما يقومون به. بالتأكيد أشاهد أفلامي، وأستمتع بما أقوم به إذا كان يمكنني قول ذلك (يضحك). عليك أن تثق بما تقوم به، وإذا كانت الثقة معدومة، فربما لا تريد أن تشاهد نفسك على الشاشة. مع كثرة الأدوار التي أديتها وتؤديها... أي نوع سينمائي تفضله أكثر؟ كما ذكرت لك، عليك أن تنوّع، وإذا ما أعجبني السيناريو فإن النوع الآخر ما أهتم به. حين كنت لا أزال في الثامنة من عمري بدأت قراءة الكتب، قراءة كل ما يصل إليّ. وعندما أصبحت ممثلاً، أخذت أمثل كل ما يصل إليّ، مادام أن السيناريو جيّد ككل، وليس دوري فقط. ماذا عن خطوتك الأخيرة في التحول إلى الإنتاج؟ نعم، سأنتقل إلى الجانب الآخر من العمل، ومتحمس جداً لذلك. لم يكن سهلاً، اختيار الفيلم الذي سأباشر به هذه المرحلة، لكن هناك مشروعاً بات جاهزاً بعنوان الاعترافات الحقيقية لشارلوت دويل. وكممثل؟ أتحرك حسب المتاح، وأنا أكثر حرصاً على انتقاء أعمال يؤدي كل منها لنجاح معنوي أرضى عنه. هناك فيلم من هذا النوع اسمه فيلا كابري يقترب تصويره من الانتهاء، لكني لا أريد الحديث عنه بعد، فالوقت لا يزال مبكراً. الوديع دائماً في بداياته، أدى مورغان فريمان مرتين فقط دور شرير،: أولاهما في فيلم ستريت وايز للمخرج جيري شاتزبيرغ (1987)، والثاني جوني هاندسام لوولتر هيل (1989)، وفي كليهما كان ممثلاً ثانوياً. لكن مجمل أعماله قبل فيلمه الأخير ماضون بأسلوب، قدّمته إلى الجمهور في الغالب إنساناً وديعاً. فهو السجين الصامت في فيلم آرون روزنبيرغ بروبايكر (1980)، ثم السجين الفيلسوف في إصلاحية شوشانك لفرانك دارابونت (1994). أدى شخصية المجند الشجاع في مجد لإدوارد زويك (1989)، وبعد ذلك شارك في بطولة غير المسامح أمام كلينت إيستوود (1992)، وكان التحري ذا الخبرة في سبعة (1995)، ورئيس الجمهورية في تأثير عميق (1998). وقبل كل هذه الأفلام تسلل فريمان إلى قلوب المشاهدين، أول مرة عندما أدى الدور المساند الأول في روبين هود.. أمير اللصوص إلى جانب كيفن كوستنر، وفي قيادة الآنسة ديزي.
مشاركة :