توجد فروقات كثيرة بين الديموقراطية وأساليب الحكم الأخرى بما في ذلك النظام الإسلامي. قد يبدو الحديث بهذه النقطة تحصيل حاصل أو كنا نظن بأنها كذلك. لكن الواقع يقول شيئا آخر، فالحاصل أنه عن قصد أو من دون قصد يخلط بعضهم هذا بذاك فتتشوش عقول الناس ويلتبس عليهم الأمر. فأكثر الأطراف إزعاجاً للتطور الديموقراطي الخاص بنا (الكويت) هما الدين والقبيلة. قد تتساءل الآن، إن كُنت أقصد من هذا الكلام، أن الديموقراطية أفضل من أنظمة الحكم الأخرى بما فيها الإسلامية. جوابي، لا أريد هذا أبداً، وليس شأن المقالة هذا الهدف تحديداً. كل ما في الأمر هو دراسة ما هو حاليا واقع وأن ازدواجية التفكير والتعامل مع النظام الديموقراطي بحيث نفكر بشكل ونتصرف بشكل مغاير، هو المطب والمشكلة في التطور السياسي. فمثلا يقول البعض بأن النار محيطة بمن لا يصوت للشخص المناسب. هذا الكلام لا يصلح في ظل النظام الديموقراطي، لأن الإنسان حُر ويُفترض أنه لا يُخوّف بالجنة والنار. فبدلا عنه يجب أن يُستبدل الخطاب ويتجه نحو المحافظة على المكتسبات الدستورية والشعور بالمزيد من الحريات والليبرالية السياسية والرفاه الاقتصادي في ظل تعددية الآراء والبرامج الانتخابية واحترام الآخر والقانون والدستور المدني والتداول السلمي للسلطة. فالفرق بين الديموقراطية وغيرها، أن الأولى لا تُقدّس الشخصيات، فالتعليمات والتوجيهات الصادرة عن «عُلية» القوم لا معنى لها في ظل النظام الديموقراطي كون الإنسان يتحرك بدوافع إرادته وتفكيره الحر. والديموقراطية لا تعترف «بنظام» الحكم بل «بمؤسسات» مدنية للحكم، فالمركزية غير مفهومة في ظل النظام الديموقراطي. الحكم الديموقراطي أساسه الاعتراف بحق الإنسان ليحكم نفسه بنفسه لا أن يُحكَم ويُدار من خلال غيره. فالأصل أنه هو أدرى بمستقبله والأعلم بخياراته والأدرى بما ستؤول إليه أحواله وبالتالي يعلم الايجابيات والسلبيات ويتحمل هو عن نفسه نتائج خياراته. وفي ظل الحكم الديموقراطي الشعب يحاكم السلطة لكن النظام الديني السلطة تحاسب الناس والله سبحانه يحاسب السلطة. لذا النار والجنة تُعدّان من المتغيرات الرئيسية في نظرية الفكر الديني السياسي الشرعي. أما الديموقراطية فلا تهمها الحياة الأخروية ولا تنظر لها لأنها تتعامل مع الإنسان بعيداً عن عقيدته الإيمانية. فالنظام الديموقراطي يتوقف عند حق الإنسان في الحكم ويتخذه بحد ذاته هدفاً كافياً وتترك للإنسان ليختار هو بنفسه من يريد عند المفاضلة بين المرشحين المتنافسين. أما النظام الإسلامي فهدفه غائي، وينظر للنتائج ويحاسب الإنسان أن كانت اختياراته متوافقة مع الإرادة الربانية أم مخالفة له. من هنا، نقول تهديد الإنسان «المخطئ» بالنار يتعارض مع فكرة الديموقراطية التي تنظر بأنه مُحترم لذاته ويحق له أن يختار من دون توجيه عاطفي (قبلي) أو عقائدي (ديني). فعلى أساس هذه المقاييس لا يجوز أن نخلط الخوف بالحرية لأنهما لا يتفقان عند الحديث عن النظام الديموقراطي بل يهدمان النظام من أساسه كونه أسلوبا يجمع النقيضين معا. فإما أن تكون ديموقراطيا وتحترم «حرية» إرادة الناخب لأنك أنت وهو متساويان أمام النظام، أو مختلفان معرفيا ودينيا وتخيره بين الجنة والنار وساعتها ابتعد عن المشاركة الديموقراطية وتعامل مع المجتمع على أساس عقائدي. بالنهاية أكرر أن المقالة لا تريد أن تُزكي الديموقراطية على غيرها، كل ما في الأمر أن التداخل بين الأفكار «غير المدروسة» تسببت بالكثير من العراقيل. وبالمناسبة النظام الديموقراطي قد يتسبب بالكثير من المشاكل، كونه ليس بالخيار الأمثل، لكن ما العمل وهو أفضل البدائل المتوافرة حاليا. hasabba@
مشاركة :