النسخة: الورقية - دولي انطلقت الثورة السورية لأن الشعب أدرك أن النظام كان كاذباً في وعوده بخصوص الإصلاح والتغيير، وتبين له أن هذا النظام والديموقراطية مثل خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، لأن النظام يعلم بأن الديموقراطية خطر عليه، وأنه سينهار أمامها كما ينهار بيت من ورق في وجه الإعصار. إضافة إلى ذلك وصل المواطن إلى قناعة بأن النظام لا يستطيع أن يجلب له الديموقراطية لأنه هو من يفتقدها، وفاقد الشيء لا يستطيع أن يعطيه. إن الثورة السورية تمر في مرحلة حرجة، وهي تحتاج إلى حلم وصبر وحكمة كبيرة لإدارتها، لأن القوى والشخصيات المتنافسة على قيادتها كثيرة جداً، ولكل منها أجندته وأطماعه وأنانيته. ومثلما بات واضحاً للمواطن السوري أن النظام لا يستطيع أن يقوم بالإصلاح والتغيير في سورية، كذلك أصبح واضحاً أن «الإئتلاف»، وبطريقة عمله هذه، لا يستطيع أن يجلب الديموقراطية للشعب السوري، لأن أغلب أعضائه في الحقيقة لا يؤمنون بالديموقراطية ومن الصعب عليهم أن يخرجوا من جلدهم ويغيروا طريقة تفكيرهم بين عشية وضحاها، بعدما عاشوا وترعرعوا في ظل نظام ديكتاتوري. أما عندما قرر الإئتلاف أن يشكل الحكومة الإنتقالية، تفاءل الكثيرون، وتم بعدها انتخاب غسان هيتو رئيساً للوزراء وحصلت الانتخابات في جو تسوده روح من الديموقراطية والمنافسة. لكن عندما لم يحصل التفاهم الدولي على شخص رئيس الوزراء المنتخب هيتو، وُضعت كل العثرات لتعطيل تشكيل حكومته الموقتة، التي أجهضت قبل أن ترى النور. لكن بعد أشهر قليلة تم «اختيار» أحمد الطعمة من بين أعضاء الائتلاف ومن دون فتح باب الترشح كما حصل في «عهد» هيتو. ومن الواضح أن الطريقة الديموقراطية لم تناسب الغالبية التي كانت تهيمن على قرارات الإئتلاف، وأن أصحاب القرار في الإئتلاف أرادوا أن يعودوا إلى الطريقة التي عودهم عليها النظام وهي طريقة «الإستفتاء»، أي الترشح لمنصب ما من دون أن يكون هناك مرشح آخر، وكأن الناخب سيصوت بـ «نعم أو نعم»، وفي مثل هكذا حالة تكون النتيجة معروفة قبل حصول الإستفتاء. هذه العملية التي تمت على الطريقة «الأسدية» كانت مثالاً صارخاً على الفجوة الكبيرة التي حصلت بين الثوار في الداخل ومن يمثلهم في الخارج، وأن الثورة صارت في واد و «النخبة» السياسية، التي يسمونها أحياناً «معارضة فنادق الخمس نجوم»، في وادٍ آخر، وأن الأخيرة لا يهمها العمل بالأساليب الديموقراطية، بل فقط كيف تستطيع كل كتلة أو مجموعة من مكونات الإئتلاف أن تحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والفخرية والمالية. تعثرت الحكومة الموقتة كثيراً أثناء تشكيلها، لأن المجموعة المتسلطة في الإئتلاف لم تكن تريد أن تتشكل مؤسسة جديدة إلى جانبها خوفاً من أن تأخذ شيئاً من الأضواء المسلطة عليها، وهذا لا يتناسب مع رأي المتحكمين بروح ومال ومصير الإئتلاف. على سبيل المثال منذ البداية قرر الإئتلاف إلغاء منصب وزير الخارجية في الحكومة الموقتة، لأن رئاسة الإئتلاف تريد أن تقوم هي بهذه المهمة، وتم الإتفاق على أن تكون الحكومة الموقتة حكومة «كفاءات»، أي حكومة خبرات واختصاصات، فمن أجل ذلك أصبح، مثلاً، طبيب الأسنان رئيساً للوزراء وطبيب أسنان آخر مرشحاً لوزارة الداخلية وصيدلاني وزيراً للإدارة المحلية، بالإضافة إلى مرشحين ومرشحات لا علاقة لهم بإختصاصاتهم. أما وزارة الصحة فتم الإصرار على أن يكون مرشحها طبيباً لأن هذا من اختصاصه وكأن الوزارات التي ذكرناها آنفاً لا تحتاج إلى أختصاصيين. للأسف إن طريقة تصرف رئاسة الإئتلاف لا تختلف كثيراً عن تصرفات النظام، ومقياس النفوذ في داخل الإئتلاف له علاقة بكمية الدعم الذي يستطيع كل شخص أو كتلة الحصول عليه من الخارج، ومن يجلب الدعم الأكثر يصبح له الدور الأكبر في التحكم بقرارات الثورة، لذلك ازدادت الضبابية في كواليس الأئتلاف وانعدمت الشفافية ومُنعت المحاسبة، خصوصاً في الأمور المالية، وأصبحت الرقابة شبه مستحيلة. من المعروف أن الحكم بالطريقة الديكتاتورية هو أسهل بكثير من الحكم بالأساليب الديموقراطية، وهذا من الأسباب التي جعلت بشار الأسد في بداية إستيلائه على السلطة أن يتراجع عن وعوده بالإصلاح والتغيير. وما تقوم به المجموعة المتحكمة بقرارات الإئتلاف الآن تذكرنا كثيراً بالأيام الأولى للحاكم الوريث والذي سرعان ما لاحظ بأن الحكم الديكتاتوري أسهل وأفضل له بكثير من الديموقراطية وأن أي تغيير أو تحديث في «النظام» الذي ورثه عن والده سيؤدي إلى إنهياره. وللأسف فان الإئتلاف يسيرعلى هذه الوتيرة ويجد صعوبة كبيرة في العمل بالطرق الديموقراطية الشفافة، وإلا لماذا صار في الآونة الأخيرة يعقد بعض اجتماعاته في أماكن سرية؟ أو لماذا استقال 44 عضواً من الإئتلاف، قبل بضعة اسابيع، قبل ان يعود معظمهم عن استقالته؟ نريد هنا أن ندق ناقوس الخطر ونلفت إلى ما يتربص بوطننا من أخطار جسيمة ستكون باهظة الثمن إن لم نعالجها منذ البداية. ولا نريد أن تتناحر القوى الثورية فيما بينها، بل نسعى إلى توحيدها، وأفضل طريقة لذلك هي الشفافية في العمل والديموقراطية في المنهجية والتنسيق مع الثوار والقوى الفاعلة في الداخل. إن الثورة السورية تقف الآن على مفترق طرق، وعلينا أن نضع لها منذ البداية الأسس الصحيحة لبناء مجتمع ديموقراطي شفاف، حتى لو كلفنا ذلك التنازل عن أنانيتنا.
مشاركة :