الشك: قنبلة موقوته في عش الزوجية

  • 3/20/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إذا تسلل الشك ودخل إلى الحياة الزوجية فحتماً سيتحول المنزل وحياة الزوجين والأبناء وحتى العائلة ككل إلى جحيم لا يطاق وستكون النهاية مريرة ومدمرة.. لكن هل ينشأ الشك عادة بسبب خلل نفسي أم أن هناك أسباباً أخرى؟ وكيف كانت نهايات تلك العلاقات التي أحاطت بها الشكوك؟؟ الجمال النقمة أحمد ح.ح (مصري) يحدثنا عن قصته مع الشك حيث يقول: قبل عشرين عاماً تزوجت من زميلة أختي في العمل كانت باهرة الجمال بكل معنى الكلمة، كانت مرحة وطيبة وكمان ست بيت يعني زوجة رائعة بكل المقاييس، ويضيف لكن في الحقيقة أن حياتي تحولت إلى جحيم منذ أن تزوجت؛ فقد كنت أرى نظرات الإعجاب بجمال زوجتي في أي مكان نذهب إليه سوياً كنت أحترق من الداخل فبدأت بتقليل فرصة خروجنا والاكتفاء بزيارة الأهل فقط وبعد مشادات كثيرة رضخت مكرهة لقراري، لكن ذلك لم يريحني كثيراً فخروجها للعمل كل صباح يشعل نيران جنوني مما أثر على مزاجي وعطائي في العمل، بل انعكس ذلك حتى على شكلي الخارجي فكثيراً ما أبدو مرهقاً ومتعباً، وبحثاً عن مخرجٍ لهذا المأزق الذي أعيشه، والذي أحال حياتنا إلى جحيم لا يطاق خيرت زوجتي بين عملها أو حياتنا فغيرتي عليها تكاد تقتلني لكن زوجتي في هذه المرة لم تستقل، بل قدمت على إجازة وقالت لو أحسست أن ذلك سيحل المشكلة فسأترك العمل وكان ذلك الحل مرضياً لنا جميعاً. ويضيف أحمد: لكن الأمر لم ينته عند ذلك الحد، بل تطور حيث يجن جنوني حين أسمع صوتها تحادث زبال العمارة فمنعته من الصعود إلى شقتنا ورغم كل تلك القرارات الظالمة بحق زوجتي فقد كانت صابرة تبحث عما يريحني ولكنها تبوء دائماً بالفشل؛ لأن العيب ليس فيها بل في شخصيتي؛ فقد اكتشفت أنني مصاب بالشك وليس الغيرة كما كنت أتصور فقررت قراري الأخير وطلقتها شفقة عليها وعلى نفسي من هذا الجحيم الذي نعيشه كل لحظة، بل يشاركنا حتى مناماتنا فقد كنت أستيقظ من نومي لأرى إن كانت زوجتي لا تزال إلى جواري أم لا وبعد طلاقنا قررت أن أتزوج بفتاة عادية الجمال حتى أرتاح وهذا ما حصل بالفعل.. سنوات سوداء أم خالد تقول عانيت من هذه المشكلة فترة من الزمن، حيث كان زوجي يشك في أي تصرف يبدر مني؛ وعلى سبيل المثال فلو جاء مثلاً ووجدني قد أغلقت باب غرفتي لأغيير ملابسي لثار وجن جنونه وأخذ ينظر في زوايا الغرفة وهو يسأل: لماذا تغلقين الباب؟ ماذا كنتِ تفعلين؟ وتضيف أم خالد مع أنه لم يكن هناك تليفون الغرفة ولم يكن هناك حتى جواﻻت، كما أنه كان دائماً يحاول الدخول علي فجأة لسماع محادثاتي الهاتفية وكان يتوتر ويغضب حين يتصل ويجد الخط مشغولاً لكن طاقة التحمل لدي نفدت ولم أعد أستطيع الصبر أكثر مما صبرت، فذهبت إلى بيت أهلي ورفضت العودة إلا في حال أن يذهب إلى طبيب نفسي لعلاج مشكلته، لكنه كابر ورفض فكان الطلاق هو الحل والحمد لله تزوجت ثانية ورزقت بأوﻻد وحياتي مستقرة وسعيدة وأحمد الله كثيراً كلما تذكرت تلك الأيام السوداء، بل ذلك الكابوس الذي عشت تحت وطأته كل تلك السنوات البائسة. زوجة غيورة أبو هيثم يقول أحدثكم عن تفاصيل لا أزال أعيشها كل يوم فزوجتي مريضة بالشك إلى درجة فظيعة؛ فهي تطاردني باتصالاتها كل لحظة مما يحرجني أمام أصدقائي الذين أصبحوا يعرفون قصتنا، بل ويتندرون علي في كثير من الأحيان فهي تتصل أثناء فترة العمل لتتأكد أنني لا أزال في عملي وتطلب أن تسمع أصوات زملائي حتى تتأكد أكثر. ويذكر أبو هيثم أحد أصعب المواقف حيث يقول: ذات مرة خرجت من العمل وكنت معزوماً لدى أحد أصدقائي القدماء وقد أخبرت زوجتي بذلك ولكنها كعادتها لم تترك الاتصال على جوالي فصادف أن جوالي كان على وضعية الصامت فقد كنت أريد أن أمضي بعض الوقت بدون إزعاج، ومضى وقت طويل وهي تتصل ولا أحد يرد وليتني لم أفعل فقد فوجئت بصديقي يخبرني أن زوجتي عند الباب، فلم أصدق واعتقدت أنها مجرد مزحة وذهبت أتأكد من جوالي فوجدت أكثر من مائة اتصال فاتصلت بها فقالت اخرج وقابلني إن كنت صادق فأنا عند الباب فخرجت ووجدتها بالفعل عند الباب مما سبب لي حرجاً كبيراً فلم أعد إلى بيت صديقي وغضبت وتركت زوجتي ولم أتحدث معها، بل ركبت سيارتي وتركتها، فقد شعرت بالخجل والإهانة وكنت طوال ذلك اليوم أتخيل ماذا يقول الأصدقاء عني وعن زوجتي المريضة بالشك، فقد كان موقفاً سيئاً جداً، وفي ذلك اليوم ذهبت لوالدتي وأخبرتها بأنني عازم على الطلاق فقد أصبحت مسخرة أمام الجميع بسبب شكوك زوجتي، لكن والدتي قالت: إن زوجتك تحبك وتخاف عليك وهددتني بأنها ستغضب علي لو أقدمت بالفعل على طلاق زوجتي ومنذ ذلك اليوم وقرار الطلاق مؤجل فقط، لكن أعتقد أنه سيصدر في أي لحظة بغض النظر عن أي عواقب حتى لو كان غضب أمي إذا لم تتعالج زوجتي من شكوكها المريضة، وقد أخبرتها بذلك وأصبحت الكرة في ملعبها الآن.. زوج يداوم في المستشفى أما هند محمد فتقول: أنا لم أتزوج بعد لكنني عانيت من هذا الشك المدمر، حيث إن أختي الكبرى تعمل في مجال التمريض وقد تقدم لخطبتها شخص كان يبدو عليه أنه غير راض عن عملها لكن أول شرط وضعته أختي للموافقة هو أن تظل تمارس مهنتها التي أحبتها منذ صغرها فوافق الخاطب على شرطها على مضض ربما على أمل أن يقنعها أو يجبرها بعد الزواج على ترك عملها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث مما تسبب لأختي في مشاكل لا حصر لها بعد انتهاء إجازة شهر العسل وعودتها لعملها ففي اليوم الأول لعودتها فوجئت بزوجها يجلس في صالة الانتظار وحين سألته عن سبب مجيئه إلى المستشفى تحجج بأنه حبه وشوقه لها هو ما جعله يترك عمله ويأتي إلى المستشفى، طبعاً أختي تضايقت من تصرفه ولم تصدقه وطلبت منه عدم تكرار ذلك لأنه يسبب لها إحراجاً في مكان عملها لكنه فسر كلامها بأنه دليل على أن هناك ما تخاف منه زوجته وتخاف انكشافه، وتضيف هند متحدثة عن مأساة أختها: هل تصدقين بأن زوج أختي بحث هنا وهناك عن واسطة ليعمل في المستشفى الذي تعمل فيه أختي؟ ولكن محاولاته تلك لم يكتب لها النجاح مما سبب له مزيداً من التوتر فظل يراقب تحركات أختي واتصالاتها، كما أنه وَسّط بعض من أفراد عائلته لإقناع أختي بترك العمل في مجال التمريض، لكن أختي رفضت مجرد سماع الحديث حول هذا الموضوع وقالت إن زوجها قد قبل شرط بقائها في عملها فكيف يطلب منها الآن أن تترك عملها لمجرد إرضاء شكوكه ووساوسه! وبعدها بيوم واحد وحين عودتها من عملها وجدت ورقة طلاقها بانتظارها كانت مشاعرها لحظتها خليطاً من حزن وفرح؛ فهي حزينة لأن حياتها دُمرت قبل إكمال العام الأول، وسعيدة لأنها لم ترزق بطفل يظل يربطها بطليقها الشكاك؛ ولأنها تخلصت من هذا الهم الذي جثم على صدرها لعشرة أشهر وكأنها عشر سنوات.. مشكلة نفسية ولإلقاء مزيد من الضوء حول هذه المشكلة فقد شاركتنا الأخصائية النفسية شادية با علي بالتحليل من خلال الإجابة عن هذا السؤال: هل الشك ينشأ عادة بسبب خلل نفسي أم أن هناك أسباباً أخرى؟ حيث قالت: الشك معناه أن يقوم أحد الزوجين بتحويل مسار أفكاره إلى اتجاه غير سوي بحيث يتوقع من الطرف الآخر الأذى والضرر والخيانة وهي أصعب أنواع الشكوك، وأحياناً تكون الفكرة المسيطرة على الشخص منطقية ولها مبرراتها مثل ظهور سلوك معين وتصرفات تستدعي الشك على سبيل المثال تغير معاملة أحد الزوجين للآخر أو الإهمال المفاجئ للطرف الآخر أو الاهتمام الزائد بالنفس والمظهر بصورة مبالغ فيها لم تكن كذلك في السابق.. وأحياناً أخرى تكون غير منطقية؛ كافتراض أشياء غير حقيقية يبني عليها أحد الزوجين تصرفاته وشكوكه وبالتالي تسيطر هذه الفكرة على تصرفاته فيبدأ في مراقبة الطرف الآخر وتفتيش أغراضه الشخصية والتجسس عليه. ومحاولة سماع مكالماته ومعرفة تحركاته وغير ذلك من التصرفات التي لا يستطيع السيطرة عليها. وفي الشخصية الشكاكة يكون الشك ملازماً لشخصية الإنسان ويكون سمة من سمات شخصيته، هذا الشخص الذي يتسم بهذه السمة يجد صعوبة كبيرة في التواصل الاجتماعي مع الناس وحتى أقرب الناس إليه وتتسم الشخصية الارتيابية (الشكاكة) بصفات منها: الشك بدون دليل قاطع أو مقنع بأنه مستغل من قبل الآخرين أو أنهم يخدعونه وكذلك يسيطر عليه الشك في ولاء المقربين إليه له فلا يثق في الأصدقاء أو الزملاء في العمل ويتردد كثيراً في إطلاع أي أحد على أسراره خوفاً من أن تستغل ضده يوماً ما بشكل أو بآخر، عادة ما يفسر كل حدث على أنه هو المقصود منه شيء آخر أو أن نواياهم خبيثة، وغالباً ما يكون لديه حقد دائم ولا يستطيع الصفح والتسامح وهو يفسر أي حدث يحدث حوله يعتقد أنه تعدٍّ عليه أو إساءة له، ومثل هذا الشخص لديه شكوك متكررة بالشريك أو الزوج أو الزوجة دون دليل صحيح وواضح وهذا التوجه في تفكيره وانفعالاته وسلوكه يشمل جميع نواحي حياته دون استثناء ولكن نصيب البعض أكبر مثل الزوجة. كما أن الشك قد ينشأ بسبب التنشئة الاجتماعية أو بعض التصرفات المريبة لسلوك أحد الزوجين وكذلك عدم الوضوح والصراحة بينهما.. وتضيف: إذا تسلل الشك ودخل إلى الحياة الزوجية فحتماً سيتحول المنزل وحياة الزوجين والأبناء وحتى العائلة إلى جحيم لا يطاق وستكون النهاية مريرة ولا تقف نتائجها عند الطلاق فقط، بل ستتعدى ذلك، والبعض قد يخلط بين الشك والغيرة؛ والحقيقة أن بينهما شعرة دقيقة جداً فقد تتحول الغيرة الزائدة إلى معاناة مع الشك القاتل. ولا بد من التأكيد على أهمية الوعي، حيث إنه يساعد الإنسان على أن يرى الأمور بطريقة إيجابية وصحيحة ما لم يكن لديه أدلة دامغة تثبت شكه، وكلما كان الطرفان واعيين بهدف تلك العلاقة المقدسة فلن يدخل الشك إلى حياتهما إﻻ ببينة واضحة؛ فالأصل أن يفسر السلوك بأنه لا غبار عليه.

مشاركة :