تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بإعلانها الترشح لولاية رابعة، أصعب اختبار في حياتها السياسية، ويتمثل داخليا في مواجهة التيار الشعبوي المتصاعد، وخارجيا في مهمة الدفاع عن الوضع الراهن في أوروبا، وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي وسط غموض شديد يكتنفهما معا. ويتعين على ميركل أن تعمل الآن على تثبيت التحالف الغربي الذي تعرض لهزة بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والعمل على تماسك الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وسط دعوات لإجراء استفتاء على البقاء في الاتحاد في فرنسا وهولندا ودول عدة. وبرحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما قريبا عن البيت الأبيض، تقف ميركل وحدها كآخر أمل كبير لدى الغرب في الحفاظ على الديمقراطية الليبرالية. وستحتاج ميركل إلى قوة، فلكي تنجح على الساحة الدولية في فترة رابعة سيكون عليها أولا رأب الصدوع التي أحدثتها سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها مع اللاجئين، وأدت إلى استعداء الجناح البافاري في تحالف المحافظين الذي تتزعمه وبروز الشعبويين. معركة داخلية صعبة وستخوض ميركل الانتخابات في سبتمبر المقبل في مناخ سياسي تتزايد فيه الصدوع، ومن المرجح أن يدخل فيه حزب "البديل من أجل ألمانيا" من تيار أقصى اليمين البرلمان الوطني للمرة الأولى في العام المقبل. والشركاء المحتملون لتشكيل ائتلاف معها هم الديمقراطيون الاشتراكيون الذين تحكم بالتحالف معهم حاليا، إلا أن هؤلاء تعهدوا بخوض معركة على منصب المستشار. وتوقع نائب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي أرمين لاشت، الذي تتزعمه المستشارة ميركل، معركة انتخابية صعبة العام المقبل، مشيرا إلى أن الشعبوية المتزايدة تعد أحد الأسباب المؤدية إلى ذلك. ضغوط أوروبية وأشرفت ميركل، التي فازت بلقب شخصية العام بمجلة تايم في العام الماضي، على استيعاب أوروبا أكبر تدفق للمهاجرين إلى القارة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن تولت قيادة الاتحاد خلال أزمة منطقة اليورو. وإذا احتفظت ميركل بالسلطة في العام المقبل، كما هو متوقع على نطاق واسع، فسيكون عليها دفع المشروع الأوروبي، في وقت دخل الجهاز التنفيذي للاتحاد نزاعا مريرا مع برلين بالضغط عليها من أجل زيادة الإنفاق لرفع مستوى النمو في منطقة اليورو. ويشير الضغط القادم من بروكسل، مقر المفوضية الأوروبية، التي حاولت ألمانيا من خلالها فرض انضباطها في السياسات المالية على بقية الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى حدود قدرة ميركل على القيادة في أوروبا، بعد أن ثبت أن سياستها إزاء المهاجرين لم تلق الترحيب لدى دول شرق أوروبا بصفة خاصة. غير أن الضغوط الجيوسياسية أكبر من الخلاف حول السياسة المالية. فتصويت الناخبين في بريطانيا بالخروج من الاتحاد يفتح الباب أمام خروج دولة عضو من الاتحاد للمرة الأولى. وعلى ميركل، بوصفها أقوى زعماء أوروبا، الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع بريطانيا، دون أن تبرم اتفاقا لانسحابها يغري دولا أخرى تواجه ركودا اقتصاديا ومخاوف بشأن الهجرة على الانسحاب أيضاً. ويعني صعود نجم "الجبهة الوطنية"، التي تمثل أقصى اليمين بزعامة مارين لوبن، أن الرئيس الفرنسي المقبل سيحكم بلدا مقسما لن يكون بوسعه بعد الآن أن يلعب دورا مساويا للدور الألماني، كما جرت العادة في أوروبا. كما أن رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينتسي يواجه خطر خسارة استفتاء على إصلاح دستوري الشهر المقبل، علق عليه مستقبله السياسي. كل هذا يجعل من ألمانيا قوة مهيمنة رغما عنها في وسط أوروبا المقسمة، والتي تحاول أن تفرض فيها روسيا نفوذها. وقللت ميركل من اهمية الآمال التي تعقد عليها، وقالت للصحافيين لدى إعلان ترشحها: "لا يمكن لفرد واحد حتى بأعتى الخبرات أن يغير الأمور في ألمانيا وأوروبا والعالم للأفضل، ومن المؤكد أن هذا الشخص ليس هو مستشار ألمانيا". الاشتراكي والخضر ولم يعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي مرشحه بعد، إلا أنه من المتوقع أن ينافس ميركل على منصب المستشار وزير الاقتصاد زيغمار غابرييل. وهناك عضو قوي آخر في الحزب، وهو مارتين شولتز، الذي يرأس حاليا البرلمان الأوروبي. من جانبها، أعلنت رئيسة حزب الخضر الألماني زيمونه بيتر عن حملة انتخابية قوية، من أجل تحقيق تغيير سياسي حقيقي في ألمانيا في مواجهة ميركل. حزب «البديل» أما حزب "البديل من أجل المانيا" المعارض للاتحاد الأوروبي، والمناوئ لاستقبال المهاجرين، بزعامة فراوكه بيتري، فتشير الاستطلاعات الى أنه سيفوز بما يتراوح بين 10 و14.5 في المئة من الأصوات، ما يعني أنه سيدخل البرلمان كحزب معارض. مع العلم أنه لا يوجد حزب سياسي واحد أشار إلى أنه سيشكل تحالفا مع الحزب المناهض للهجرة، وهو أمر ضروري بموجب نظام التعددية الحزبية في ألمانيا إذا كان يرغب في دخول الحكومة.
مشاركة :