وسط مشاعر اختلط فيها التعاطف بالحزن، استحضر التونسيون جحيماً عاشه عدد من مواطنيهم زمن الاستبداد عندما تابعوا الأسبوع الفائت أولى جلستي استماع علنيتين لعينة من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة في البلاد بين 1955 و2013. وأصبح تضميد جراح الماضي الأليم والانتهاكات الحاصلة خصوصاً في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1987/1956) وخلفه زين العابدين بن علي (2011/1987)، تحدياً يواجه تونس اليوم. مساء 17 و18 نوفمبر الحالي، بث التلفزيون مباشرة جلستي استماع علنيتين لضحايا الاستبداد نظمتها «هيئة الحقيقية والكرامة» المكلفة بتفعيل «قانون العدالة الانتقالية» في تونس. استحدثت الهيئة بموجب هذا القانون الذي صادق عليه البرلمان نهاية 2013 وتتمثل مهمتها في «كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان» الحاصلة في تونس منذ الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وحتى 31 ديسمبر 2013 و»مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم». وهذه «الانتهاكات» هي «كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الإنسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها». وهي أيضاً «كل اعتداء جسيم وممنهج على حق من حقوق الإنسان تقوم به مجموعات منظمة» مثل «القتل العمد والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمات العادلة». وأمام هيئة الحقيقة والكرامة مدة أقصاها خمس سنوات لإنجاز هذه المهام. واعتبر رفيك هودجيج من «المركز الدولي للعدالة الانتقالية» أن جلستيْ الاستماع العلنيتيْن مساء 17 و18 نوفمبر كانتا ناجحتين. مجتمع ممزق وقال هودجيج لفرانس برس: إن الجلستين «كانتا على الأرجح من أولى جلسات (الاستماع) العلنية الأكثر نجاحاً في التاريخ الحديث» لأنها استطاعت «الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، سواء أولئك الذين لا يعرفون ما حصل في الماضي -خصوصا الشباب- أو الذين أخفوا ذلك الماضي». وترى هبة مواريف مديرة البحوث الخاصة بشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية أن هذه الجلسات «قادرة على أن تكون ذات دلالة تاريخية كبيرة، ليس لتونس فقط بل لبقية العالم العربي». وقالت: «إن حققت هيئة الحقيقة والكرامة أهدافها، فإن صدى هذا النجاح سيتجاوز تونس، في وقت يبدو فيه مفهوم المساءلة حلماً من الماضي» في سوريا وليبيا ومصر. وفي تونس، تجري جلسات الاستماع في مجتمع ممزق بين الإسلاميين والعلمانيين على الرغم من تحالفهم الحالي في الحكومة. وتباينت المواقف بشأن جلسات الاستماع العلنية خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي وسائل إعلام. وشبهت يومية «لوتن» الناطقة بالفرنسية عرض شهادات متتالية لضحايا الاستبداد بأنه «سُوق معاناة» يهدف إلى «دفع التونسيين إلى التباغض». وأقرت الصحيفة أن الإسلاميين «عانوا من القمع» لكن «يجب عليهم أن يعتذروا من الشعب التونسي عن كل الجرائم التي ارتكبوها باسمه».;
مشاركة :