توني جيمس أرجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي قرار رفع أسعار الفائدة في سبتمبر/ أيلول الماضي مرة أخرى في الوقت الذي يعاني الاقتصاد الأمريكي ضعفاً في أدائه يتجلى في نمو محدود أو غير موجود في الناتج الإجمالي المحلي وفي تراجع معدلات الإنتاجية ورغم تحسن مستويات الأجور لا تزال المداخيل تحت ضغط كبير. ومع إحكام قيود التقشف وتحكمها بالسياسة المالية فقدت سياسة التحفيز التي يتبناها المجلس جدواها كما أن هناك مؤشرات إلى تأثير معدلات الفائدة الصفرية في الاقتصاد تأثيراً سلبياً. فمعدلات الفائدة المنخفضة لفترة طويلة تضر بأجور العمال وبدخل كبار السن كما تضر بمشاريع تمويل الشركات وديونها على المدى الطويل. وهذا يعني أن أسعار الفائدة المنخفضة تتسبب في زعزعة استقرار النظام المالي. وعندما نأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار ندرك بسهولة ضرورة تغيير المجلس لسياسته الراهنة. فالشركات تتجه في ظل أسعار الفائدة المنخفضة لآجال طويلة نحو استبدال رأس المال بالعمالة بدرجة كبيرة.وإذا لم يتوافر الطلب الكافي على المنتجات لاستيعاب هذه العمالة التي تم استبدالها، فإن التمويل الرخيص يزيد من الضغوط على الأجور ويسفر عن الاستغناء عن العاملين وبالتالي يعطل جزءاً من آليات الطلب التراكمي ويلغي الحاجة لمزيد من التحفيز المالي. أضف إلى ذلك أن الشركات عملت على اقتراض القدر الذي تريده من الأموال وهو القدر الذي زاد في بعض الأحيان عما تحتاج إليه. ومن أهم نتائج هذه الظاهرة تكدس النقود لدى الشركات ثم موجة إعادة شراء الأسهم. وبما أن الطلب على القروض من قبل الشركات بلغ حد الإشباع، وهي تعاني أساساً فائض الإنتاجية فإن خفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر لن يشكل تحفيزاً نحو الاستثمار في تعزيز الكفاءة الإنتاجية. من جهة ثانية تؤثر أسعار الفائدة المنخفضة جداً في دخل شريحة المتقاعدين من كبار السن الذين يعتمدون على الاستثمار في دخلهم.فالعائد على ذلك الاستثمار بات بيد الحكومة التي خفضت أسعار الفائدة ولذلك تتعرض المداخيل والإنفاق للضرر عندما يطول أمد انخفاض الفائدة. وتضر أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً بالأسر والشركات والمؤسسات التي تستثمر اليوم بهدف تمويل نفقاتها المستقبلية.فتراجع معدلات العائد على الادخارات بنسبة 1% يمكن أن يؤدي إلى رفع المدخرات بنسبة 20% لسد الفجوة في الدخل. ونتيجة لذلك يترتب على الناس ادخار المزيد لتمويل نفقات التقاعدية مثلاً كم يترتب عليهم ضغط نفقاتهم في الوقت الراهن لأن العائد على ادخاراتهم أقل. وسواء تعلق الأمر بالأسر التي تدخر للإنفاق على تعليم أبنائها مستقبلاً أو بالصناديق التي تدخر لتمويل نفقاتها مثل صناديق التقاعدية. وعلى صعيد النظام المالي فإن الفائدة المنخفضة تزعزع الثقة به وتعرضه لمخاطر منهجية. فعندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر سوف يبحث المستثمرون عن أصول منتقاة سعياً وراء معدلات العائد الأعلى. وهذا يتسبب في حرمان القطاعات ذات الإنتاجية العالية من مصادر تمويلها التقليدية لأن المستثمرين يتجهون نحو الأصول عالية درجة المخاطر ما ينتج عنه تضخم في أسعار الأصول والتسبب بدرجة اضطراب أعلى في الأسواق. وكلما طال زمن الفائدة المنخفضة زادت احتمالات انفجار فقاعة الأصول والتعرض لمخاطر منهجية. وفي بيئة الفائدة الصفرية لا تستطيع البنوك الإقراض بربح.ولذلك تضطر إما للتعرض للمخاطر أو تقليص موازينها الختامية. إلا أن الخيار الثاني يتناقض مع الهدف من خفض الفائدة كونه يخفض قدرة البنوك على تمويل القروض لتعزيز النمو الاقتصادي. ولهذه الأسباب مجتمعة تبدو سياسة البنوك المركزية قد فشلت. وإذا كانت الأضرار المباشرة لهذه السياسة لم تظهر للعيان إلا أنها تعرقل النمو في أحسن الحالات. ولا شك أن هناك تحديات كبيرة تواجه صناع القرار. فالتركيبة السكانية تشيخ أكثر والطلب الخارجي على المنتجات في تراجع. وهذه المشاكل وغيرها تتطلب حلولاً جريئة وسريعة وليس إطالة أمد الفائدة الصفرية هو الحل بل إنه أصل المشكلة.
مشاركة :