تجربتي تعكس تجربة المرأة في بلادنا قبل نصف قرن، بهذه الكلمات بدأت د. عزيزة المانع لقاءها المفتوح الذي نظمه مركز الملك فهد الثقافي يوم أمس وأدارته الروائية زينب الخضيري. المانع قالت في اللقاء: نحن دورنا هامشي أمام ما تخطه الأقدار، حينما كنت في الخامسة من عمري لم يكن هناك رياض أطفال ولا مدارس حكومية للبنات، وكنتُ من القليلات في بنات جيلي التي نشأت في أسرة تريد لبناتها التعليم، حيث كان والدي محباً للعلم يحتفظ بمكتبة فيها أمهات الكتب العربية يشجعني على القراءة؛ مما أكسبني ثقافة نسبية وأورثني البعد عن كتب السياسة والاقتصاد حتى الآن، وكانت القراءة هي التسلية الوحيدة، إذ بدأت صلة بالقراءة في التاسعة من عمري مع الروايات. وكشفتْ في حديثها أنّ أول بوادر سخطها على واقع المرأة حينما قرات كتب التراث في مكتبة والدها، حيث وجدت فيها من تحيز ضد المرأة وإهانات موجهه للمرأة، كالنهي عن استشارتها ووصمها بالخيانة والانسياق وراء العاطفة، وأحكام تتعلق بالمرأة باعتبارها مخلوقاً ناقصاً غير مؤهل لحمل الثقة والمسؤولية، إلى جانب النظرة الدونية؛ مما دفعها للتعمق أكثر خلف أسباب التصور الخاطئ عن المرأة في تراثنا وعقليتنا، موضحةً أنّ هذا جعلها تحس بعدها بقضايا المرأة حيث كانت البداية بالحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من القضايا التي تتناول المرأة. وتناولت محاولاتها الكتابية بداية من قصة كتبتها وأصدرتها مجله للأسرة مع شقيقتها د. سعاد، متأثرة بمجلات مصرية كـالمصور وروز اليوسف، وكان في مقدمة قراء المجلة والدها، الذي يعرضها على الأقارب، مضيفةً: انشغالنا بإخراج المجلة وإيجاد مزيد من القراءة ومصادر مختلفة أتاح لي أن أطلع على المعلقات الجاهلية التي لم أكن أفهم معظمها، وتكرار القراءة ساعدني في حفظ الكثير من الأبيات، وبدأت بالمرحلة المتوسطة أنشر في الصحف المحلية التي كانت تحتفي وتشجع الكتابات النسائية بدون أي عوائق، لكن مقالي الذي نشرته مجلة العربي الكويتية في الستينيات الميلادية نجح في أن يعيد لي الشعور بالزهو والانطلاق من جديد. واعتبرت المانع أنّ فترة دراستها بأميركا في جامعة ميتشجن منتصف السبعينيات الميلادية وتخصصها في علم التربية الاجتماعية فتح وعيها على واقع مختلف وثقافة وأفكار جديدة، ساعدت على توسيع أفق الرؤية الفكرية، بعيداً عن الانحسار بالمألوف والمتعارف عليه، لافتةً إلى أنّ أهم ما تعلمت واستفدت منه في أميركا منهجية التفكير العلمي، التي تتصف الشمولية، وعدم التسرع بإطلاق الأحكام، وأنّ الكثير مما نراه صواباً أو نراه ضلالاً قد لا يكون كذلك. وعرجت المانع إلى أنّ الكثير من المشكلات الاجتماعية التي نشكو منها ناجمة عن نمط التربية التي نتلقاها متى ارتقينا بأسلوبنا التربوي أمكن لنا التخلص من كثير من مشاكلنا، وعرجت بالحديث عن كتابتها للصحف في بداية التسعينيات الميلادية بصفة مستمرة لإيمانها بأنّ الصحافة تؤثر على الأفكار وتوجهها للرأي العام، لافتةً إلى أنّها في بدايات كتاباتها الصحفية اصطدمت بفكر الصحوة، الذي كان مسيطراً على المجتمع ويرفض كل جديد ويحاربه بكل قوة، وأصبح المجتمع صادماً لا يقبل النقد ولا يتيح فرصة للنقاش، كاشفة أنّها اتهمت بالتغريب ونشر الفساد والعدائية، مضيفةً: لم أكن أتوقع من مقالاتي الصغيرة أن تحدث ردود فعل قوية. واختتمت المانع حديثها أنّ مسيرة المرأة السعودية شهدت طفرات وقفزات عالية، وهي تسير الآن بالاتجاه الصحيح، فهي اليوم وبفضل الدعم الرسمي والاعتراف المجتمعي، عضو في مجلس الشورى، والغرف التجارية، والكليات العلمية، واقتحمت كافة مجالات الحياة، ولا زلنا نتطلع للمزيد، فالآمال لم تخب وما كنا نتمناه للمرأة السعودية تحقق كثيراً منه، وأصبحت تعيش أفضل من العقود الماضية، حيث كثرت الأصوات النسائية التي تدعو إلى تمكين المرأة وحفظ حقوقها، والتوسع في مجالات العمل والدراسة والابتعاث والمناصب القيادية وتمثيل الدولة.
مشاركة :