كانت مفاجأة مذهلة لي أو قل إنها صدمة وأنا أتابع تصريحاً للرئيس الأميركي «المنتهية ولايته» باراك أوباما، والذي قال فيه بالنص والحرف إنه يشعر بالقلق من رئاسة دونالد ترامب لأميركا.. لأول مرة في أميركا يستمر الصراع بعد حسم نتيجة انتخابات الرئاسة. ربما يكون التلاسن وحتى استخدام الوسائل القذرة مبرراً أثناء الحملات الانتخابية، ولكن استمرار هذا الأسلوب الفج، ليس لنا به عهد عقب حسم المعركة الانتخابية، بالإضافة إلى أنه أسلوب خطير وينذر بمشاكل لا حصر لها في الولايات المتحدة، كما أن تصريح أوباما، فقد تماماً الكياسة واللغة الدبلوماسية لرئيس دولة عظمى يفترض أنه بعد قليل سيكون مرؤوساً لترامب. قراءة تصريح أوباما لا بد أن تصيب المرء بالقلق على الولايات المتحدة أولاً، وعلى ترامب ثانياً، ثم على العالم كله باعتبار الولايات المتحدة، شئنا أم أبينا، هي مركز دائرة هذا العالم والقوة الأعظم فيه. كما أن القراءة تنبئ بأن أوباما وهيلاري وجنودهما لا يعترفون بترامب رئيساً، وينوون العمل ضده في الفترة المقبلة بدليل تحركهم السريع لتعديل أو حتى تغيير النظام الانتخابي في بلادهم. كما أن قراءة التصريح تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أوباما يحرض علناً ضد ترامب مستثمراً بعض المظاهرات ضده في عدد من الولايات ومتناسياً، أو متجاهلاً أن هناك مظاهرات بنفس الحجم، ونفس التمدد في الولايات المتحدة تؤيد ترامب ومتجاهلاً أيضاً أن دونالد ترامب أصبح رئيساً فعلياً للولايات المتحدة ويجب أن يأخذ فرصته كاملة بلا تحريض أو شحن للناس ضده. وأوباما جزء أو هو على رأس ظاهرة عالمية خطيرة انتشرت في السنوات الثماني الأخيرة، وهي ظاهرة تذويب الهويات الوطنية، أو الدول الوطنية لحساب أستاذية العالم أو حكم العالم، أو الخلافة، أو العولمة، أو النظام العالمي الجديد، أو ما شئت من الأسماء التي تبدو مختلفة، لكن الفعل واحد. واختلاف الأسماء لفعل واحد هو الأسلوب الماسوني المتعارف عليه من أجل إقناع الشعوب المختلفة ثقافياً بفكرة واحدة تبدو في أثواب وأسماء وعناوين مختلفة. فالمسلمون مثلاً لا يقتنعون بفكرة العولمة أو عنوان النظام العالمي الجديد، لذلك من المناسب لديهم استخدام عنوان أو اسم الخلافة، أو الدولة الإسلامية، وبالتالي الإجهاز تماماً على فكرة الوطن لحساب فكرة الخلافة، وهذا ما دعا مرشد الإخوان في مصر محمد بديع إلى القول: «طظ في مصر وأبو مصر.. ولا مانع من أن يحكمني مسلم ماليزي أو إندونيسي في مصر.. ولا مانع من التنازل عن سيناء لإخواننا المسلمين الفلسطينيين». أوباما وهيلاري وجنودهما كانوا دوماً خاطئين بتصميمهم اللا محدود على الانحياز إلى الميليشيات على حساب الأوطان، وإصرارهم على إلغاء الوطن تماماً لحساب حكومة العالم، وهو لب وصلب الفكرة الماسونية. والميليشيات كانت دوماً أدوات أوباما وهيلاري للإجهاز على الوطن، أي وطن، وإلغاء الهوية الوطنية وإلغاء الدولة الوطنية لصالح حكومة العالم. من هنا يتضح لماذا كان أوباما وهيلاري وجنودهما متحمسين، بل ومهندسين لما يسمى «الربيع العربي». فقد كان الهدف هو إسقاط الدول الوطنية إلى غير رجعة، وليس كما زعموا إسقاط الأنظمة القمعية المستبدة. ولماذا حزن «الإخوان» وكل الميليشيات العربية لسقوط هيلاري وفوز ترامب في انتخابات أميركا، وهو حزن معلن وليس سرياً؟ ولماذا ارتمى أوباما وهيلاري وجنودهما في أحضان إيران التي تمثل بامتياز دولة الميليشيات في العالم؟ ولماذا غضّوا الطرف، بل ساعدوها من خلال الاتفاق النووي على التمدد في المنطقة ورعاية الميليشيات والجماعات الإرهابية السُّنية والشيعية؟ إيران هي المسؤول عن تنفيذ المشروع الماسوني في المنطقة، ومن خلال دستورها الذي ينص على التدخل في أي بقعة من العالم لحماية المستضعفين.. وهي نفس الفكرة أو النظرية الماسونية التي تلغي الحدود الجغرافية والثقافية وتبيح التدخل لحماية المستضعفين. وكل إنسان في النظرية الماسونية يحمل لقب «أخ»، وهو نفس اللقب لدى «الإخوان»، ومن والاهم، لكن لقب الأخ ليس ثوب الإسلام، فيقال «الأخ المسلم أو الإخوان المسلمون» حتى تجد الماسونية حاضنة شعبية من خلال مخاطبة كل شعب بثقافته، وتذويب أو إلغاء الأوطان لحساب العولمة أو النظام العالمي الجديد أو الخلافة أو أستاذية العالم ألغي تماماً جرائم الجاسوسية، والعمالة، والخيانة، والتخابر. ولم يعد الجواسيس والعملاء والخونة وجوهاً منكرة ومنبوذة لدى الناس، بل صاروا وجوهاً محببة ومقبولة ويحملون أسماء جديدة مثل النشطاء والحقوقيين، والمجتمع المدني، والليبراليين، والمتدينين، والأتقياء، والجهاديين، ولم يعد العمل على إسقاط الدول كريهاً أو مرفوضاً شعبياً، بل صار واجباً سياسياً أو دينياً من أجل ترسيخ حكومة العالم. الوطن ليس له وجود في أدبيات «الإخوان»، وكل فروع الماسون في العالم. وأصبح تقسيم أو تمزيق الأوطان عملاً علنياً مدعوماً من أوباما وهيلاري وجنودهما، ومن إيران وغيرها من القوى الدولية أو الإقليمية التي تنفذ أجندة الماسونية، ولكن بإلباسها أثواباً مختلفة وفقاً لثقافة كل شعب وأصبح الانحياز إلى الميليشيات واضحاً على حساب الدول الوطنية، كما يحدث بجلاء في ليبيا، وسوريا، واليمن، والعراق. وكما حدث في مصر عندما تسلط عليها «الإخوان» بعد «الخريف العربي». وهذا كله هو السبب وراء الحملة المسعورة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأنه جاء ليهدم الصرح الماسوني، ويعيد الاعتبار للهويات الوطنية والدول الوطنية، ومنها أميركا التي ذابت وطنيتها تماماً من أجل إعلاء حكومة العالم التي أرادوا أن تكون واشنطن عاصمتها. وليس غريباً أبداً هذا الحشد العالمي ضد ترامب، وهو الحشد الذي يلعب فيه العرب دور التابع بلا روية ولا تأمل ولا إعادة نظر. أنصار وكهنة الماسون في العالم كله منزعجون للغاية من وصول ترامب إلى السلطة في أميركا، لأن هذا يعني تحطيم الأوثان وعودة الأوطان. *كاتب صحفي
مشاركة :