مجنون أو مستبد واحد بآلاف العقلاء - فهد السلمان

  • 3/21/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

حكم القذافي بكل جنونه، وتجاوزاته ليبيا لأكثر من أربعة عقود، لم يكن أحدٌ خلالها يرى هناك غير مجموعة من المجانين من مساعديه، يحكمون معه، ويدورون في فلكه، ويتقمصون شخصيته، وينفشون شعورهم بطريقته، ويُرددون نفس مفرداته، حتى ظن الكثيرون أنه لم يتبق في ذلك البلد من أحفاد المختار من هو مؤهل للوقوف في وجه ذلك الجنون، وإعادة عقلاء ليبيا إلى الواجهة، وحكم مبارك وعلي صالح مصر واليمن باستبدادهما لأكثر من ثلاثة عقود، حتى ظن الناس أنه ليس في مصر أو اليمن ممن يملك حكمة السلطة سوى الحزب الوطني، والمؤتمر العام. جاءت الثورات العربية فأزاحت المجانين والمستبدين عن عروشهم، وفتحت الباب للعقلاء و"للأئمة العدول" لتولي زمام الأمور، فطار الأمن، واحتدمت الصراعات، واضطربت المراكب بأيديهم بعدما تركوا الأشرعة تمزقها العواصف والأنواء، وتفرغوا للاقتتال على المقود، كلٌ يُمسك به بعض الوقت، ليجد من يدفعه عنه ليحتل مكانه. لم يعد هنالك من يُوجّه بصره إلى أفق الطريق الآبق بأعتى الأمواج، بعد أن تضاءل دور البوصلة، وأصبح في عداد سقط المتاع، فصراع العقلاء انحصر على غاية واحدة، وهي كيف يُفوز كل واحد منهم بإحكام قبضته بأصابع يديه العشر، وإن أمكن بأسنانه حتى النواجذ على مقود السفينة حتى وهي تنحدر إلى قاع الغرق. سؤال بسيط.. هل يضع الجنون أو الاستبداد بيضه في الرؤوس، أم على مقاعد السلطة؟، بصيغة أخرى: هل كان القذافي مجنوناً بذاته أم جننه جبروت العرش؟، وهل كان مبارك أو صالح مستبدين بتكوينهما الجيني، أم أن طول المكث والتفرد، ومثالية حرارة الاحتضان فقست من تحتهما بيوض الاستبداد؟ الجواب الذي تقدمه الوقائع بعد وصول آلاف العقلاء، والوطنيين، والغيورين، والمخلصين.. إلى كراسي السلطة أن الجنون أو الاستبداد أو الاقصاء أو الإخصاء أو شهوة التملك وغيرها، أنها أمراض سلطوية مُعدية، تنتقل بالعدوى من الكرسي، فتصيب كل من يقترب منه، أو يحلم بالإمساك ولو بإحدى قوائمه، ما لم يسع إلى تعقيمه وتنظيفه وحتى تشميسه قبل أن يجلس عليه، ليحتفظ بمؤهلاته العقلية، لتنسجم مع ما يُردده في خطابه. مرسي الذي زعم أنه جاء إليه بعقله، وعدل الإسلام كما يفهمه الإخوان طبعاً، لم يتنبه إلى أنه حمل مكنسة الاقصاء ليزيح كل من لا يتفق مع منهجهم من الطريق، مثلما لم يفطن إلى أنه أصبح أكثر استبدادا من سلفه حينما جعل مواطنة هنية والترابي ألزم عليه من مواطنة شركائه في الوطن من بني جلدته، وعقلاء جنوب اليمن الذين رفضوا وحدة صالح المشوهة، ودعوا إلى الانفصال، بات بعضهم مع خلفه الذي يُمسك بكلتا يديه بحجر الدومينو الأول خوفا من أن يتهاوى، باتوا أكثر انفصالية. الأمم الأخرى تدفع بعقلائها انتخابا ليحكموها بمنتج حكمتهم، وتنازلاتهم فيما بينهم للرأي الرشيد، فيما يتسابق عقلاء العرب على مقاعد السلطة ليتقاتلوا بكل أدوات القبح أيّهم أرجح عقلا؟!! إنها معادلة دور الكرسي في سيادة العقل أو الجنون والاستبداد في الذهن السياسي العربي، ولغز الاستقرار المنحاز لكل ما يُناهض الحكمة.

مشاركة :