رجل في الستين يبدو في الأربعين من عمره، كالنساء نظراته كلها لطيفة، لقّبه مؤيدوه بقلب الأسد، كناية عن اقتحام العرين وإطاحته بالأسد الآخر، الملقب بالأسد الشرعي، ومن ثم سجنه. الأبله في بداية المعركة أوهم الناس أنه مؤمن واصل لربه وتحفظ زوجته القرآن، يصلي الفجر، ولا ينقطع حبه المنهمر للدين، ولا يفقد أبداً غيرته على الإسلام، حتى إنهم أشاعوا عنه أنه يبكي خشوعاً في الصلاة. الجنرال الذي دخل القصر غصباً عن الداخل والخارج أو بموافقتهما، لا يهم كثيراً، نام الجنرال على وسائد الجناح الرئاسي، وحقق حلمه أخيراً، قصر فخم في بلاد لم يعد بها شيء فخماً يتباهون به حتى قصر الرئيس الأبله. يتغير الملعب دوماً، ويتغير اللاعبون، ما لم يتغيّر ارتياح الجنرال لخياراته منذ دخوله المدرسة الحربية، مروراً بكل معاركه؛ ليصل إلى تنصيب نفسه رئيساً لكبرى البلاد العربية، الجنرال الذي أطاح بـ"الفاشية الدينية" في ثورة شعبية وهمية صنعها مخرج بارع، وبعض الممثلين في فيلم هو بطله الوحيد. إنه السيسي وزير الدفاع في عهد أول رئيس مدني منتخب عرفته مصر عبر تاريخها، الجنرال المتدين دوماً في وقت د. مرسي، الذي صرح بعدما عزله بأن كل شيء لا يرضي الله هو معه ويؤيده، في زلة لسانٍ كانت كل كلمة فيها حقيقة واضحة. السيسي دوماً يوهمنا بأنه لا يفقه شيئاً مما يفعل، يوهمنا دوماً بأنه أبله لا يجيد الحديث، يوهمنا ويوهم العالم كله بجمله غير المفهومة، وآخرها حديثة عن الثلاجة التي عاشت عشر سنوات بلا شيء سوى الماء. السيسي لم يكن غبياً حينما أعاد ترسيم الحدود المائية، حينما هدم أنفاق الحياة التي تعيش عليها غزة، حينما هدم كل بيت في سيناء وهجّر أهاليها، حينما عاون إسرائيل في كل ما يخدم مصلحتها في المنطقة، حتى في جمله التي تبدو لنا غبية جداً، هو كان يقصدها كلها، ويقصد خداعنا جميعاً، ونحن بالفعل خُدعنا. السيسي ربما لا يكون أبلهاً، لكنه قد يكون منفذاً جيداً لخطط وُضعت له من قِبل غيره، لكن المؤكد الوحيد أنه استطاع أن يخدع جموع السياسيين المصريين بقدرٍ ما. العساكر المصريون كأنهم رسموا خطة ووضعوا لها ملامح محددة، ثم سرنا نحو خطتهم بخطى ثابتة واثقة من تحقيق هدفنا، لكننا حققنا هدفهم الذي سعوا إليه كلما تمكنت القوى الثورية من أي سلطة عقب ثورة يناير/كانون الثاني. النخب المصرية كلها لم تكُن على مستوى الحدث، والشباب وحدهم كانوا ينادون بإسقاط العسكر كل يوم في كل مكان، القوى الإسلامية تحديداً ابتهجت بالعرس الديمقراطي في الانتخابات التي هدمها العساكر كلها، والبرادعي يخرج لنا اليوم ليدافع عن نفسه، وليس عن الثورة، ضد تشويه شخصه في الإعلام، ولا يدافع عن الدماء، ولا يتحدث عن السجون التي يقبع فيها آلاف المصريين، بل ويبرر بأنه تم التلاعب به في مشهد انقلاب 3 يوليو/تموز! لم نفكر يوماً ما الذي يدور في رأس الجنرال الذي تولى الوزارة ثم قاد انقلاباً لتكون الرئاسة من نصيبه، وتصبح البلاد وكأنها إرث عن أمه أو جده. لم يتخيل الإسلاميون أن هذا الرجل سيقوم بخداعهم، ويأخذ منهم السلطة، ويسجنهم، وينكل بهم. السياسيون الذين خدعهم الجنرال ونصحهم الكثيرون بالبعد عنه، لكنهم آمنوا بالأوهام، وأصروا على أن يصدقوا كذبهم، ويروجوه للناس على أنه الحقيقة المسلمة التي لا تغيير فيها. الجنرال لا بد أن يرحل عن حياتنا، ويغدو ذكرى مؤلمة في حياتنا جميعاً، لا بد أن يطاح به حتى نستقر ونستطيع أن نعيش. وأخيراً.. السيسي قد يكون مجنوناً، لكن الشيء الوحيد الذي جن جنونه هو حلمه الذي سيقضي علينا جميعاً في سبيل تحقيقه بلا ممانعة أو استنكار، فانتفضوا اليوم؛ لأن حلم جنون السيسي خطر يلاحقنا جميعاً. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :