هل كانت نتائج الانتخابات الأميركية جيدة أم سيئة للمستثمرين؟

  • 11/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعكس استجابة أسواق الأسهم المضطربة إثر انتخاب دونالد ترامب - الصعود أولا ثم الهبوط ثانيًا - مأزقًا مثيرًا للاهتمام: هل كانت نتائج الانتخابات جيدة أم سيئة بالنسبة للمستثمرين؟ يبدو أنهم، الآن، قد عقدوا سلامًا هادئًا مع احتمالات رئاسة ترامب للبلاد، حيث أغلق مؤشر «ستاندارد آند بورز» (المؤشر الكبير للأسهم)، الأسبوع الماضي، عند 1.5 نقطة مئوية أعلى من المستوى المسجل عشية الانتخابات الرئاسية، ولكن هذا يعد انعكاسًا كبيرًا من التقدير الأولي. فخلال الحملة الانتخابية، ارتفعت الأسهم في كل مرة كانت استطلاعات الرأي تفيد بانخفاض فرص فوز ترامب بالانتخابات. اذكروا الأحداث الأربعة الكبرى التي سببت التحول في السباق الرئاسي بشكل كبير. فلقد ارتفعت الأسهم بصورة حادة في أعقاب المناظرة الرئاسية الأولى، وهي التي ظن أغلب الناس بعدها أن السيد ترامب قد خسر الانتخابات، ثم عاودت الأسهم الارتفاع مرة أخرى بعد نشر شريط للفيديو يُظهر المفاخرات الجنسية للسيد ترامب. وعندما أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه بمعرض النظر في مجموعة جديدة من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالسيدة هيلاري كلينتون، ارتفعت أسهم السيد ترامب الانتخابية، ولكن الأسهم الأميركية هبطت في المقابل. وعندما أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه ليس هناك من جديد يُذكر بشأن رسائل البريد الإلكتروني الجديدة، ارتفعت الأسهم من جديد على احتمالات أكبر لخسارة السيد ترامب. وتشير كل استجابة من استجابات الأسواق إلى اعتقاد المستثمرين أن الأسهم سوف تنخفض قيمتها كثيرًا في عهد الرئيس ترامب. ولقد عملت على توثيق هذا النمط في مقال كتبته قبل الانتخابات، ومرة أخرى في ورقة بحثية قمت فيها برفقة إريك زيزيفيتز، خبير الاقتصاد في جامعة دارتموث، بدراسة هذه البيانات بعناية أكبر، وخلصنا سويًا إلى أن الأسواق تصرفت كما لو كانت تحاول تسعير «خصومات ترامب»، وربما بمقدار يصل إلى 12 نقطة مئوية. وإن كان هذا صحيحًا، فمن شأن الفوز المفاجئ لدونالد ترامب أن يدفع الأسهم إلى الانخفاض والتراجع بشكل حاد، ولكن مقدار الانخفاض والتراجع يتوقف على كيفية استيعاب الأسواق فعليًا لفوز السيد ترامب، وأفضل تخمين لدينا هو أن نتيجة الانتخابات النهائية سوف تؤدي بالأسواق إلى خسارة تتراوح بين 8 إلى 10 نقاط مئوية دفعة واحدة. ولقد تابعت الأسواق هذا السيناريو، في البداية على أقل تقدير. ومع تسجيل الأصوات الانتخابية حتى المساء، أصبح من الواضح أن السيد ترامب كان في طريقه للفوز بالانتخابات. وبحلول منتصف الليل، كانت التوقعات الحية والمباشرة قد منحته فرصة للفوز تقترب من 95 في المائة، كما فعل المتداولون في أسواق التوقعات السياسية. وكما كان متوقعًا، كانت استجابة المتداولين في الأسواق قاسية للغاية بين عشية وضحاها، حيث هبطت الأسهم بشكل كبير. وعندما سجل مؤشر «ستاندارد آند بورز» للعقود الآجلة نسبة 5 نقاط مئوية هبوطًا، تسبب ذلك في قطع لتيار المداولات في بورصة شيكاغو التجارية، واهتزت بسبب ذلك أيضا مؤشرات الأسهم الأجنبية. وفي حين أن الأسواق بدأت في الانخفاض على النحو المتوقع، فإنها بدت تسير على طريقها المعتاد. ولكن بدأ توجه آخر غير متوقع في الظهور. فقد أعيد افتتاح سوق العقود الآجلة، والمتداولون الذين حتى الآن كان لديهم بعض الوقت لاستيعاب حقيقة فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية عكسوا مسارهم. وعبر الساعات الأربع التالية، استعادت أسهم العقود الآجلة نحو ثلثي خسائرها السابقة. وبحلول الوقت الذي افتتحت فيه الأسواق الرئيسية في الولايات المتحدة، في صباح اليوم التالي، للتداول المنتظم، كانت الأسهم قد عادت تقريبًا إلى مستويات ما قبل الانتخابات الرئاسية، حيث ارتفعت الأسهم مرة أخرى خلال اليومين التاليين. ما الذي يفسر هذا التذبذب في الصعود والهبوط؟ اقترح بعض المعلقين أن تكون الأسواق قد ارتفعت ردًا على خطاب الفوز التقليدي نسبيًا للسيد ترامب، وتركيزه على الإنفاق على مشروعات البنية التحتية على وجه الخصوص، ما قد يعزز من توقعات النمو على المدى القريب، ولكن الخطاب بدأ قبل الساعة الثالثة صباحًا، بعد ثلاث ساعات من تحولات السوق. وكان الخطاب عبارة عن إعادة صياغة لسياسات السيد ترامب المعلنة مسبقًا. ومن شأن الدفعة القوية في مجال البنية التحتية أن تكون جيدة بالنسبة للأسهم، ولكن يصعب الاعتقاد أن ما قيل في الساعة الثالثة صباحًا قد غير من الاحتمالات حيال التنفيذ. وعلاوة على ذلك، فإن حجم المحفزات التي من المرجح أن تواجه جزئيًا تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي، ليست كبيرة بما يكفي لتفسير حركة الأسواق الرئيسية. والاحتمال الآخر هو أن الأسواق استجابت للأنباء التي أشاعت أن الحزب الجمهوري سوف يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس. ولكن وفقًا لتوقعات موقع «ذا آب شوت»، التابع لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان ذلك من الواضح بكل تأكيد بحلول الساعة العاشرة صباحًا، في حين أن تحولات الأسواق بدأت في الحدوث بعد ذلك بساعات. وفسر آخرون صعود الأسواق بسبب أن الانتخابات قللت من حالة عدم اليقين، والأسواق تكره عدم اليقين بشدة. ولكننا في حالة يمكن للحدس العارض أن يكون مضللا لكثيرين. فلقد تمكنت الانتخابات من حل مسألة غامضة واحدة، ولكن بطريقة زادت من عدم اليقين بصورة أكبر، فقد انتقلت الأسواق من نقطة مواجهة الاحتمال المجرد بأن المرشح الأكثر خطورة سوف يفوز بالانتخابات، إلى نقطة اليقين بأنه سوف يكون رئيس البلاد بالفعل. وبصعود المخاطرة وعدم اليقين، أدى في نهاية المطاف ذلك إلى هبوط في أسعار الأسهم. وربما كانت الأسواق تستجيب لبعض المصادر الأخرى من الأخبار الجيدة حول الاقتصاد، فلقد بحثت عن مصادر للأخبار من ليلة الانتخابات حيال غيرها من الأحداث التي قد تنتقل للأسواق، فلم أعثر على شيء يستحق الذكر. وعندما تفشل التفسيرات التقليدية، يكون الوقت مناسبًا للبحث عن تفسيرات غير تقليدية. يعتقد السيد زيزيفيتز أن ما حدث يماثل الخطأ في الاقتراع؛ كانت أسواق العقود الآجلة بين عشية وضحاها مليئة بعدد قليل نسبيًا من المتداولين الذين يحاولون توقع استجابة السوق الكبيرة في اليوم التالي. تمامًا كما تظهر أخطاء الاقتراع عندما تعلن استطلاعات الرأي عن المزيد من الديمقراطيين أو الجمهوريين مما هو موجود بالفعل في الواقع، فيمكن للأسواق المسائية إرسال إشارات خاطئة عندما تعكس وجود المزيد من الدببة أو الثيران بأكثر مما هو فعلي في السوق الكبيرة. وكما قال، بدأ تحول الأسواق في الانتعاش مع افتتاح الأسواق المالية الأوروبية للتداول المنتظم في نحو الساعة الثانية صباحًا (التوقيت الشرقي)، واستمر بقوة كبيرة حيث استيقظ معظم المتداولين في العالم ليكتشفوا فوز دونالد ترامب بالرئاسة، وأن الأسهم رخيصة. إنها قصة توحي بأهمية الاستماع إلى الإشارات الواردة من الأسواق المسائية، وذلك لأنها تجلب الأنباء الصحيحة في المتوسط، ولكنها تشير أيضا إلى إشارات تفسيرية مع حذر أكبر مما ظهر لدينا، نظرًا لأنها من المقاييس الناقصة لمعنويات الأسواق الواسعة. وفي تقديري، أن تقلبات الأسواق خلال الأسبوع الماضي تعكس الفشل الجوهري للأسواق ذاتها. ولنسمه فشلا في التصور، حيث أخفق المستثمرون بكل بساطة في تصور إحساسهم عندما يستيقظون ويجدون دونالد ترامب في البيت الأبيض. ولقد وثق علماء النفس ما يسمونه «الوهم المركز»، ووصفه دانيال كانيمان، عالم الاقتصاد السلوكي الذي يبحث في علم نفس اتخاذ القرارات، بأنه فكرة مفادها: «لا شيء في الحياة على قدر الأهمية الذي تعتقده في أثناء تفكيرك فيه». وفي إحدى التجارب الكلاسيكية، كان الأشخاص الذين سُئلوا عما إذا كان الناس أكثر سعادة في كاليفورنيا عن الغرب الأوسط يركزون على الخلافات البارزة بين المكانين - ومنها الطقس الشتوي - مما دفعهم إلى الاستنتاج «الخاطئ» بأن سكان كاليفورنيا هم الأكثر سعادة. وربما وقع المستثمرون في خطأ مماثل، عندما قارنوا الحياة في عهد ترامب بالحياة في عهد هيلاري كلينتون، حيث ركزوا تفكيرهم على الخلافات البارزة، مثل الحالة المزاجية لكل منهم، بينما تجاهلوا تمامًا مجموعة من العوامل الأخرى المهمة التي تشكل سياسات كل منهم. ولعل واقع الاستيقاظ على رئيس جديد يحكم البلاد قد تسبب في كسر لهذا التفكير أو التركيز ضيق الأفق، وهو ما أدى بالمستثمرين إلى النظر لما وراء الاهتمامات الضيقة، وإلى ثقتهم الواسعة في قوة المؤسسات السياسية الأميركية. أو ربما، كما قالت شركة «بريدجووتر وشركاه» لإدارة الاستثمار في مذكرة إلى العملاء، أن المستثمرين تحولوا من التركيز على «الرجل» إلى التركيز على «سياسات الرجل». وفي الواقع، لاحظ زميلي نيل إيروين أن بعض سياسات السيد ترامب - بما في ذلك التخفيضات الهائلة في الضرائب على الشركات - هي من الأنباء السارة للغاية بالنسبة للمستثمرين. ومن اللافت للنظر أن المستثمرين لم يركزوا على هذه المسألة حتى بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية. ومن المتوقع للمستثمرين الأذكياء أن يتطلعوا ناحية الأمام، وتحدوهم الرغبة القوية في تحقيق الأرباح. كانت هناك أرباح ضخمة ومحتملة - من خلال الفرصة لشراء الأسهم عندما كانت الأسعار رخيصة - لأي مستثمر ممن لديهم بُعد نظر لما بعد عشية الانتخابات، لتصور أن رفاقهم سوف يستيقظون ويبدأون في تفسير ما كانوا بالفعل يعلمونه حول السيد ترامب بصورة أوسع، أو أشد تفاؤلا. وهذا الفشل في تصور الآثار المترتبة على العالم الجديد ليس فشلا عقلانيًا، ولكنه فشل بشري محض. وأعترف بأن أفكاري في الأيام اللاحقة على فوز السيد ترامب تختلف تمامًا عن الأفكار التي هيمنت على محادثاتي عشية الانتخابات. ما الذي كنت سوف أستنتجه من التوقعات بانهيار الأسهم إذا ما فاز السيد ترامب بالانتخابات؟ والإجابة الوحيدة هي أننا كنا على حق، وأن الأسواق - على الأقل حتى منتصف الليل - قد انهارت بشكل حاد. والإجابة الأكثر تواضعًا هي أن الدعوة وصلتنا بصورة خاطئة تمامًا. ولا يتعلق الأمر بسوء التقدير لما تخبرنا به الأسواق، فإنني على ثقة من أننا تفهمنا هذا الأمر بصورة صحيحة، ولكن الأسواق يمكن أن تغير رأيها، ونحن لا نزال نفتقر إلى الوسيلة لتوقع ذلك.

مشاركة :