رجال صدقوا .. الإمام الشافعي (150 - 204هـ)

  • 3/21/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هو محمد بن إدريس بن العباس، بن عثمان بن شافع، يرجع نسبه إلى هاشم بن عبدالمطلب بن قصي بن كلاب القرشي، وهاشم الذي في نسب الشافعي ليس هو هاشماً جد النبي صلى الله عليه وسلم ذاك هاشم بن عبد مناف. فهاشم هذا هو ابن أخي ذاك، يقول الشافعي عن نفسه: وُلدِت في غزة سنة خمسين ومائة، من الهجرة، وحُمِلت إلى مكة وأنا ابن سنتين، كان مولده يوم مات أبو حنيفة، ومات الشافعي - رحمه الله- في سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمسين سنة، وكان قدومه لمصر سنة ثمان وتسعين ومائة بمعنى أنه عاش أربعاً وخمسين سنة رحمه الله. يقول الشافعي عن نفسه في طلب العلم: كنت أنا في الكتّاب، أسمع المعلّم يلقّن الصبي الآية، فأحفظها أنا، ولقد كنت - ويكتبون أئمتهم، فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم - قد حفظت جميع ما أملي، فقال ذات يوم: ما يحلّ لي أن آخذ منك شيئاً، قال: ثم خرجت من الكتّاب، فكنت أتلفظ الخزف والدفوف، وكرب النّخل وأكتاف الجمال، أكتب فيها، الحديث وأجيء إلى الدواوين، فأستوهب منهم الظهور - أي الأوراق، فاكتب، حتى كانت لأمي حباب - أي جرار-، فملأتها أكتافاً وخزفاً وكرباً مملوءاً حديثاً. ثم إني خرجت من مكة، فلزمت هذيلاً في البادية، أتعلّم كلامها، وآخذ طباعها، وكانت أفصح العرب، فبقيت فيهم سبع عشرة سنة، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار، وأيام العرب، فمرّ رجل من الزبيريين من بني عمي فقال لي: يا أبا عبدالله، عزّ عليّ ألا يكون مع هذه اللّغة، وهذه الفصاحة والذكاء فقه، فتكون قد سدت زمانك، فقلت: فمن بقي نقصد؟ فقال لي: مالك بن أنس سيّد المسلمين يومئذٍ. قال: فوقع في قلبي فعمدت إلى الموطأ، فاستعرته من رجل بمكة، فحفظته في تسع ليال ظاهراً قال: دخلت على والي مكة، وأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس قال: فقدمت المدينة، فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلما قرأ الكتاب، قال يا فتى إن مشيي من جوف المدينة إلى جوف مكة، حافياً راجلاً أهون عليّ من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذلّ حتى أقف على بابه. فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير إليه أن يحضر، قال: هي هات، ليت أني إذا ركبت أنا ومن معي وأصابنا من تراب العقيق، نلتقى بعض حاجتنا، قال: فواعدته العصر وركبنا جميعاً. فوالله لكان كما قال، لقد أصابنا من تراب العقيق. قال: فتقدَّم رجلٌ فقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك إني بالباب. قال فدخلت فأبطأت ثم خرجت، فقالت: إن مولاي يقرئك السلام ويقول: إن كانت مسألة فارفعها في رقعة، يخرج إليك الجواب، وإن كانت للحديث فقد عرفت يوم المجلس: فانصرف. فقال لها: قولي له إن معي كتاباً من والي مكة إليه، في حاجة مهمة، قال: فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي فوضعته، ثم إذا بمالك قد خرج، وعليه المهابة والوقار وهو شيخ طويل، مسنون اللحية، فجلس وهو متطلِّس، أي لابس الطيلسان، وهو كساء مدور أخضر لا أسفل له - فرفع إليه الوالي الكتاب، فبلغ إلى هذا: «إن هذا رجل من أمره وحاله فتحدثه وتفعل وتصنع» ثم رمى الكتاب من يده ثم قال: سبحان الله وصار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤخذ بالوسائل؟ قال فرأيت الوالي وقد تهيّب أن يكلمه، فتقدَّمت إليه، وقلت: أصلحك الله إنني رجل مطّلبي، ومن حالي وقصتي كذا، فلما سمع كلامي نظر إلي ساعة، وكانت لمالك فراسة. فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد، فقال لي يا محمد، اتق الله واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن، من الآن.. ثم قال: نعم وكرامة، إذا كان غداً تجيء. ويجيء من يقرأ لك. قال: ففعلت أنا أقوم بالقراءة، فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأه ظاهراً والكتاب في يدي. فكلما تهيّت مالكاً، وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي فيقول: يا فتى زد، حتى قرأته في أيام قليلة، ثم أقمت في المدينة، حتى توفي مالك بن أنس، ثم خرجت إلى اليمن، فارتفع لي بها الشأن. وكان بها والٍ للرشيد، وكان ظلوماً غشوماً، وكنت ربما آخذ على يديه، وأمنعه من الظلم، قال: وكان باليمن تسعة من العلويين، قد تحركوا، وإني أخاف أن يخرجوا، وأنا هاهنا: رجل ولد شافع بن عبدالمطلب لا أمر لي ولا نهي، قال: فكتبت إلى هارون الرشيد: أن أحمل هؤلاء وأحمل الشافعي معهم، فقرنت معهم، قال: فلما قدمنا على الرشيد أدخلنا عليه، وعند محمد بن الحسن، فقال: هذا المطّلبي لا يغبننك بفصاحته، فإنه رجل لسن، فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنك الداعي وأنا المدعو، وأنت القادر على ما تريد مني، ولست القادر على ما أريده منك، يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين: أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده، أيهما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه، قال: فقلت: أنت يا أمير المؤمنين فقال لي: كيف ذاك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنكم ولد العباس وهم ولد عليّ ونحن بنو عبد المطلب، فأنتم يا أولاد بني العباس، ترونا إخوانكم، وهم يرونا عبيدهم، قال: فسرّي ما كان به، فاستوى جالساً فقال: يا ابن إدريس كيف علمك بالقرآن؟ فقلت: عن أي علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته، ووعيته بين جنبيّ، وعرفت وقفه وابتداءه، وناسخه ومنسوخه، وليليّه ونهاريّه، ووحشيّه وإنسيّه، وما خوطب به الخاص يراد به العام، وما خوطب به العام يراد به الخاص، فقال لي يا ابن إدريس، لقد ادّعيت علماً، فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البري والبحري، والسهلي والجبلي، والفيلق والمصبح، وما تجب معرفته، قال: فما علمك بأنساب العرب، قلت إني لأعرف أنساب العرب اللئام وأنساب العرب الكرام، ونسبي ونسب أمير المؤمنين، قال: لقد ادّعيت علماً، فهل من موعظة. قال: فذكرت له موعظة لطاووس اليماني، فوعظته بها فكى، وأمر لي بخمسين ألفاً وحُملتُ على فرس، وركبت بين يديه، وخرجت فما وصلت الباب، حتى فرّقتُ الخمسين ألفاً على حجّابه وبوابيه، فلحقني هرثمة، وكان صاحب هارون فقال: أقبل هذه مني، فقلت له: إني مني، فقلت: إني لا آخذ العطية ممن هو دوني، وإنما آخذها ممن هو فوقي فوجدها في نفسه، وخرجت كما أنا حتى جئت منزلي، والشافعي من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة. وأخبار الشافعي - رحمه الله- كثيرة، وصدر بها كتب وهو القائل لشيخه وكيع: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاص

مشاركة :