الإمام مالك: رجال صدقوا

  • 8/2/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هو مالك بن أنس بن مالك، فقيه الأمة وشيخ الإسلام أبو عبد الله الأصبحي المدني إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة المشهورين، بمذاهبهم الفقهية، وهم: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وتنسب المذاهب السنية السلفية إليهم، وكل منهم يقول: إذا رأيتم في كلامي ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فخذوا بهما وأضربوا بكلامي عرض الحائط. وكان مالك يقول: ما آليت ولا أفتيت، حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك، ويروي عنه اسحاق بن عيسى قوله: أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم- لجدله، وقال الشافعي عنه: إذا ذكر العلماء فمالك النجم وما في الأرض كتاب في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك، وابن عيينة يقول: لولا مالك لذهب علم المجاز. ولما جاء الخوض في الأسماء والصفات، قال مالك رحمه الله: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، وفي موضوع استواء الله على عرشه، والذي خاض فيه من خاض، قال مالك قولاً مفصلاً مختصراً هو: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأمر بالسائل أن يُخرج عن مجلسه. وكان له -رحمه الله- هيبة، وهي هيبة العلم ووقار العلماء، فقد حدث أبو مصعب قال: سمعت مالكاً يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وهو على فراشه، وكان أبو جعفر من الفقهاء المحدثين مشهوراً بحفظه، إلا أن الإمارة ومشاغلها صرفته عن ذلك، وإذا صبي يخرج ثم يرجع فقال أبو جعفر: أتدري من هذا؟ فقال مالك: لا، قال: هذا ابني وإنما يفزع من هيبتك. ثم سأل أبو جعفر الإمام مالك بن أنس عن أشياء منها الحلال والحرام، ثم قال له: أنت والله أعقل الناس، وأعلم الناس فقال: فقلت لا والله يا أمير المؤمنين، قال: بلى، ولكنك تكتم لئن بقيت لأكتبن كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الأوقاف فأحملهم عليه. ولحبِّه للمدينة وعدم مبارحتها، حدث حسن بن عروة، قال: قدم المهدي فبعث إلى مالك بألفي دينار، أو قال: بثلاثة آلاف دينار، ثم أتاه الربيع وزير المهدي، فقال: إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام.. أي تجاوره فيها وتسكن معه في بغداد، فقال مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) والمال عندي على حاله. ولما حجَّ - الرشيد - بعد أن كان أميراً للمؤمنين خلفاً لأبيه المهدي - قدم المدينة في حدجة، ومعه أبو يوسف فأتى مالكاً ثم زاره مالك فقرَّبه وأكرمه، فلما جلس أقبل عليه أبو يوسف فسأله عن مسألة فلم يجبه، ثم عاد فسأله فلم يجبه، فقال أمير المؤمنين: يا أبا عبد الله هذا قاضينا يعقوب يسألك، فأقبل عليه مالك فقال: يا هذا إذا رأيتني جلست لأهل الباطل فتعال أجيبك. وعن طريقته في مجلس العلم والتواضع، قال قتيبة: كنا إذا أتينا مالكاً خرج إلينا مزيناً مكحلاً مطيباً، قد لبس من أحسن ثيابه، فتصدر ودعا بالمراوح فأعطى كل إنسان مروحة، قال ابن سعد: حدثني محمد بن عمر قال: كان مالك يأتي المسجد ليصلي ويشهد الجنائز، ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ثم ترك الجلوس فيه، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز فكان يأتي أصحابه فيعزيهم ثم ترك ذلك كله، والصلاة في المسجد والجمعة واحتمل الناس ذلك كله فكانوا أرغب ما كانوا فيه وأشد له تعظيماً، وكان ربما كلم في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وكان يجلس في منزله على ضجاع له، ونمارق مطروحة يمنة ويسرة لمن يأتيه، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم وعلم، وكان رجلاً مهيباً، ليس في مجلسه شيء من المراء واللفظ ولا رفع الصوت، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، فلا يجيب إلا في الحديث الذي بعده، أي بعد الحديث وربما أذن لبعضهم ليقرأ عليه. وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له: حبيب، يقرأ عليه في الجماعة، فليس أحد ممن يحضره ويدنو، ولا ينظر في كتابه، ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالاً، وكان إذا أخطأ حبيب فتح عليه مالك. كانت ولادة مالك في سنة 95 للهجرة، وحمل به ثلاث سنين وتوفى في ربيع الأول سنة 179هـ رضي الله عنه فيصير قد عاش 84 عاماً، قال الواقدي: مات وله تسعون عاماً. وكان مالك إذا أراد أن يحدِّث توضأ، وجلس على صدر فراشه وسرّح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك فقال: أحب أن أعظِّم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحدِّث به إلا متمكناً على طهارة، وكان يكره أن يحدث على الطريق، أو قائماً أو مستعجلاً، ويقول: أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول: لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدفونة. وقد تناقش الشافعي ومحمد بن الحسن في أي الإمامين أعلم: مالك أو أبو حنيفة؟، كما قال الشافعي -رحمه الله- بأن محمد بن الحسن قال له أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما؟ قال الشافعي قلت: على الإنصاف؟ قال: نعم، قال: قلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم قال: قلت ناشدتك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال قلت: ناشدتك من أعلم بأقوال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتقدمين صاحبنا أم صاحبكم، قال: اللهم صاحبكم قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شي يقيس؟ وقال خلف: دخلت على مالك فقال: ما ترى. فإذا رؤيا قد بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فانصرف وهم يقولون: إذاً ينفّذ مالك ما أمره به النبي عليه الصلاة والسلام ثم بكى فقُمت. وكان مالك يقول: ما أجَبتُ في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني، هل تراني موضعاً لذلك؟ سألت ربيعة الرأي. وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك فقلت: فلو نهوك؟ قال: أنتهى، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه، حتى يسأل من هو أعلم منه. وكان مالك يقول لابن وهب: العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب، ويقول أيضاً: اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع. وكان مالك رحمه الله يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السَّفه، وإن كان أدرى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته وهواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا لا يحفظ به. يقول الشافعي: مالك معلمي، وعنه أخذت العلم، وقيل عنه: إن مالكاً إذا شك في حديث طرحه، وكان الإمام مالك حريصاً على السنة وتطبيقها، فقد سمعه مطرف بن عبد الله يقول: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله سبحانه واستكمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. وكان مالك يبغض أهل البدع والأهواء، يقول الشافعي رحمه الله: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بينة من ديني، وأما أنت فشاك أذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. وحدث عنه يحيى بن خلف الطرطوسي، وكان من ثقات المسلمين: قال: كنا عند مالك فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في من يقول: القرآن مخلوق؟ قال مالك: زنديق اقتلوه.. فقال: يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاماً سمعته، قال: إنما سمعته منك، وعظَّم هذا القول!! وقال جعفر بن عبد الله: كنا عند مالك، فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الله: والرحمن على العرش استوى كيف استوى فما وجد مالك من شيء، مثل ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرهناء، ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأُخرِج. وزيد في رواية.. وقال للسائل: إني أخاف أن تكون ضالاً. فرحم الله مالكاً: ما أوقفه عند حدود الله وتركه للأمور المتشابهة، وهكذا علماء السلف الصالح كلهم من هذه المدرسة. mshuwaier@hotmail.com

مشاركة :