واصل سلاح الجو السوري، أمس، قصفه المكثف لأحياء حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، فيما حاول مدنيون الفرار من المدينة بشتى الوسائل أمام تقدم القوات النظامية. وفيما يبدو المجتمع الدولي عاجزاً عن إحباط عزم دمشق وحليفتيها موسكو وطهران على استعادة حلب التي تعد جبهة الصراع الرئيسة في سورية، اتهمت فرنسا دمشق وحلفاءها باستغلال حالة الغموض السياسي في الولايات المتحدة لشن «حرب شاملة» على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في البلاد، مؤكدة أن الدول الداعمة للمعارضة ستجتمع في باريس قريباً. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن قوات النظام واصلت القصف المكثف على أحياء شرق حلب. وأكد مدير المرصد رامي عبدالرحمن لـ«فرانس برس»، أن مئات العائلات تجمعت، مساء أول من أمس، في الأحياء الشرقية لمدينة حلب بالقرب من ممر يصل حي بستان الباشا للعبور نحو حي الشيخ مقصود. وأضاف أن «اطلاق نار سجل فيما كان المدنيون يحاولون العبور الى الجهة الثانية»، مؤكداً أنه استقى معلوماته من مصادر ميدانية، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل. ويقع حي الشيخ مقصود، وهو القطاع الشمالي من المدينة الذي يخضع لسيطرة القوات الكردية، بين الاحياء الغربية التي تسيطر عليها القوات النظامية والأحياء الشرقية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. واتهم النظام السوري، أول من أمس، مقاتلي المعارضة بمنع المدنيين من الخروج من أجل «اتخاذهم كرهائن ودروع بشرية». وألقت مروحيات النظام المصمم على استعادة الأحياء التي خرجت عن سيطرته منذ صيف 2012 بأي ثمن، منشورات تدعو مقاتلي الفصائل المعارضة إلى مغادرة المدينة. كما طالب الجيش المقاتلين في بيان بالسماح «لمن يرغب من المواطنين في المغادرة». ودحض عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين الزنكي» المعارضة، يوسف اليوسف، في رد لـ«فرانس برس»، أي محاولة لمنع المدنيين من المغادرة. وقال إن «هذه المعلومات لا اساس لها من الصحة، وإن النظام يحاول بشتى الوسائل نشر الشائعات للإساءة الى تصميم الثوار ومؤيديهم من السكان في حلب». وأحرزت القوات النظامية التي تشن هجوماً عنيفاً على الأحياء الشرقية لحلب منذ أسبوع تقدماً سريعاً نحو الأحياء الشمالية الشرقية، خصوصاً في مساكن هنانو، و«باتت تسيطر على نصفها تقريباً»، بحسب عبدالرحمن. وتسمح السيطرة على مساكن هنانو للنظام بفصل القسم الذي تسيطر عليه الفصائل المقاتلة الى قسمين، بعزل الشمال عن الجنوب. وأسفر القصف الجوي والمدفعي على الأحياء الشرقية عن مقتل 143 مدنياً بينهم 19 طفلاً في اسبوع، فيما قتل 16 مدنياً بينهم 10 اطفال نتيجة اطلاق الفصائل المقاتلة قذائف على الاحياء الغربية، بحسب المرصد. وضاعف تقدم القوات الحكومية نحو الاحياء التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة من معاناة السكان الذين لم يتلقوا مساعدات منذ السابع من يوليو الماضي. واستنكر منسق المساعدات الانسانية لدى الامم المتحدة ستيفن أوبراين اللجوء الى استراتيجية الحصار في سورية التي باتت تطال نحو مليون شخص، معتبراً أنها «شكل عنيف من العقاب الجماعي». وقال إن السكان في هذه المناطق «معزولون وجياع ويتعرضون للقصف ومحرومون من المساعدة الطبية والرعاية الإنسانية، بهدف إجبارهم على الخضوع أو الفرار». وأكدت مديرة «سايف ذا تشيلدرن» في سورية سونيا خوش، أنه ليس هناك «أي مكان آمن للأطفال في هذا النزاع». وانتقدت ابتزاز طرفي النزاع والهجوم الذي استهدف الاحد الماضي مدرسة تقع في الأحياء الغربية لحلب واسفر عن مقتل ثمانية أطفال على الاقل. وأفاد المرصد بحدوث حالات اختناق في الاحياء الشرقية لحلب إثر سقوط أربعة براميل متفجرة على القطرجي وضهرة عواد، تعتقد مصادر طبية أنها تحتوي على مادة الكلور. سياسياً، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، أمس، أن فرنسا ستنظم «في الأيام المقبلة» اجتماعاً للدول الغربية والعربية التي تدعم المعارضة السورية المعتدلة، مؤكداً أن «التحرك ملح» في مواجهة قصف حلب. وقال للصحافيين بعد الاجتماع الأسبوعي للحكومة: «اليوم هناك مليون شخص محاصر، ليس في حلب فقط وإنما في حمص والغوطة وإدلب أيضاً، وهذا هو واقع الأمر في سورية». وأضاف: «تأخذ فرنسا بزمام المبادرة لمواجهة استراتيجية الحرب الشاملة التي يتبعها النظام وحلفاؤه، الذين يستفيدون من حالة عدم اليقين الحالية في الولايات المتحدة». وأكد أن اجتماعاً للبلدان المناوئة للرئيس السوري بشار الأسد وبينها الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وتركيا سيعقد في الأيام المقبلة في باريس. كما طالب آيرولت بأن يتبنى مجلس الأمن الدولي قراراً يدين استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وينص على عقوبات ضد هذه الأفعال «غير الإنسانية». وقال: «ليس في نيتنا إلا نفعل شيئاً، معركتنا للدفاع عن السكان المدنيين السوريين مستمرة». وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، ستيفان لو فول، إن الاجتماع سيعقد في بداية ديسمبر المقبل. وأبدى مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستافان دي ميستورا، أول من أمس، قلقه من احتمال أن يشن الأسد هجوماً جديداً لسحق شرق حلب قبل تنصيب ترامب.
مشاركة :