يقف الموسيقي المصري أحمد صالح على خشبة المسرح في إحدى قاعات وسط القاهرة ليبثّ عبر كومبيوتر آخر مقطوعاته من الموسيقى الصوفية الإلكترونية أمام جمهور من محبيه. ويشكل أحمد صالح مع المغني عبدالله المنياوي ثنائياً بات رمزاً للمشهد الموسيقي الجديد الذي برز في القاهرة خلال السنوات الأخيرة مع أنغام إلكترونية وهيب هوب ونفحات الجاز والروك الممزوجة أحياناً بالموسيقى العربية أو الأناشيد الصوفية. وتوفر ظاهرة الموسيقى المستقلة هذه متنفساً للعديد من الشباب في بلد غالباً ما تصدر الأخبار بعد ثورة 2011، بسبب عدم الاستقرار السياسي. ويقول محمود رفعت مؤسس شركة الإسطوانات المستقلة «وان هاندرد كوبيز ميوزك»، «إنها المرة الأولى في مصر، أقله منذ عشرينات القرن الماضي، تكون الموسيقى ممثلة للناس مباشرة من دون وسطاء». ويوضح تامر أبو غزالة وهو موسيقي فلسطيني ولد في القاهرة وأحد مؤسسي مجلة «معازف» الإلكترونية المتخصصة في النقد الموسيقي أن «هذه الحركة بدأت في جذب جمهور (...) لأن موسيقاها أصبحت متاحة على الإنترنت وليس في السوق التجارية التي يهيمن عليها منتجو الإسطوانات». وراحت سطوة شركات إنتاج إسطوانات الأغاني تتراجع تدريجاً مع الاستخدام المتزايد لمواقع الإنترنت مثل «ساوند كلاود» و«باندورا» و«يوتيوب» و«فايسبوك». واعتباراً من النصف الثاني من العقد الماضي، أصبح الوصول الى الموسيقى عبر الإنترنت أسهل بالنسبة إلى الجمهور في مصر، البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان (أكثر من 90 مليون نسمة) والمعروف بتاريخه الثقافي الطويل. وكانت «موسيقى المهرجانات» المعروفة أيضاً باسم «إلكترو شعبي»، مؤشراً واضحاً إلى التغيير الحاصل في المشـهد الموسيقي في مصر. وولدت في الأحياء الشعبية في القاهرة خلال النصف الثاني من العقد الماضي، وأخذت تنمو حتى أصبحت أكثر موسيقى مسموعة في مصر. فقد راح موسيقيون شباب مستعينين ببرامج معلوماتية مجانية أو رخيصة، يدمجون بين الموسيقى المصرية التقليدية والنغمات الإلكترونية فاأوجدوا بذلك نوعاً جديداً من الموسيقى متعددة المشارب. ثم جاءت ثورة العام 2011 التي أسقطت حسني مبارك، فاتسعت هذه الظاهرة وفق موسيقيين ونقاد. ويؤكد موريس لوقا ملحن ألبوم «بنحيي البغبغان» الذي حقق نجاحاً كبيراً في العام 2014، ان «كثيراً من الأشياء تطورت مع ما جرى في العامين 2011 و2012». وأدت التغطية الإعلامية المتزايدة لهذه الموسيقى الجديدة الى اتساع جمهورها، فيما أتاح الفراغ الأمني الذي شهدته مصر بعد إسقاط حسني مبارك فتح اماكن جديدة للحفلات الموسيقية والمهرجانات. ويقول رامي أبادير وهو مؤلف موسيقى إلكترونية أصدر أول البوم رسمي له في أيار (مايو) الماضي، انه بعد الثورة «كان هناك مناخ رائع اذ كان بوسع الجميع أن يفعلوا ما يشاؤون». غير ان القبضة القوية للدولة عادت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وأغلقت بعض أماكن العرض التي كانت تقدم فيها هذه الموسيقى. لكن لا تزال حفلات موسيقية تنظم كل اسبوع مع اعمال تزداد تنوعاً. وتستمر الظاهرة كذلك على شبكة الإنترنت. ويقول تامر أبو غزالة «الجمهور الآن يتلقى باهتمام هذه الموسيقى الجديدة وخصوصاً في مصر». وكان لموسيقى الهيب هوب المصرية موقعها في هذه الحركة الجديدة. ونشر موسيقيون مثل أبو يوسف وأحمد كامل مقطوعات عدة على «ساوند كلاود» تم الاستماع الى بعض منها اكثر من 250 ألف مرة. ويقارن لوقا بين الوضع الآن وما كان عليه في تسعينات القرن الماضي فيقول «كنا نشعر اننا في صحراء جرداء» اذ كانت السلطات تمنع الحفلات الموسيقية. وعلى رغم تركز هذه الحركة الجديدة في القاهرة، فإن فنانين آخرين يسيرون على النهج نفسه في مناطق اخرى من البلاد ويتعاونون مع زملاء لهم في الدول العربية. ويقول عبد الرحمن حــسين وهو أحد مؤسسي موقع «دندن» للموســـيقى على الإنترنت الذي انطـــلق العام 2013، ان «عدد المواهب» التي ظهرت في مصر والدول العربية الأخرى «مذهل». ويحصل أحــياناً تـــعاوناً مثــمراً بين فنـــانين من دول مخــتلفة، إذ تعـــاونت فرقة «زائد ناقـــص» الأردنية والموسيقي الفلسطيني بشار سليمان مع المغنيتين المصريتين آية متولي ومي وليد.
مشاركة :