تشهد العاصمة الأميركية ازدهاراً متجدداً لموسيقى البانك في ظل تزايد إقبال الشباب على هذا النوع الفني، بعدما كانت واشنطن لسنوات طويلة متخلفة عن مدن أخرى في الولايات المتحدة في هذا المجال خصوصاً نيويورك. يصادف موظفون في واشنطن لدى خروجهم من مكاتبهم بملابسهم الأنيقة جمعاً من الأشخاص بأزياء مغايرة تماماً، مع سراويل جينز بالية وشعر مصبوغ وسترات من الجلد أثناء دخولهم إلى شقة تصدر منها أصوات عزف للموسيقى بإيقاعات سريعة للغاية على الغيتار. وعلى مسرح هذه «الكنيسة التقدمية» قرب البيت الأبيض، يهتف المغني كلمات أغنياته على وقع موسيقى بصوت مرتفع، في افتتاح مهرجان «داميجد سيتي فست» الذي يحتفي بواشنطن عاصمة لموسيقى «هاردكور بانك». ظهر هذا النوع الموسيقي قبل 35 عاماً وهو يركز على الجوهر الموسيقي ومضمون الكلام الملتزم أكثر من أنماط الأزياء الغريبة، وشكل مذاك مصدر إلهام لفرق من العالم أجمع. ويقول رايل غريفين الطالب في الفنون البالغ 19 سنة: «نحن موجودون في قلب منطقة تطغى عليها السياسة... وهذا المكان يعطينا جرعة من الارتياح»، مؤشراً بيده إلى المسرح. ومن بين فرق البانك المفضلة لديه ثمة «ماينر ثريت» و»باد براينز» و»هما من رواد موسيقى البانك في واشنطن». وقد حققت هاتان الفرقتان مع أخرى نجاحاً كبيراً في العاصمة الأميركية في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات. في تلك الفترة لم تكن واشنطن من المدن الرئيسية بالنسبة لمحبي موسيقى الروك إذ أنها كانت متخلفة بدرجة كبيرة عن نيويورك. حينها، أطلق بعض المراهقين في العاصمة الأميركية أولى الفرق بعدما تأثروا بموسيقيي البانك الآتين من بريطانيا ونيويورك. وقد كان النجاح سريعاً على الموعد وبدأ توالي تشكل الفرق كما أن الموسيقيين عمدوا إلى تنظيم حفلاتهم وإنتاج ألبوماتهم بأنفسهم تجنباً لانتظار لفت انتباه شركات الإنتاج في مهمة شاقة في تلك الفترة قبل انتشار الإنترنت. هذه الرغبة في التحكم بالنتاج الإبداعي وفق فلسفة الإنتاج الذاتي فتحت الطريق أمام ظهور موسيقى الغرانج وتحقيقها رواجاً على مستوى العالم. كانت انطلاقة ديف غرول عازف الدرامز السابق في فرقة «نيرفانا»، مع فرقة «سكريم» لموسيقى «هاردكور بانك» في واشنطن. وفي مؤشر إلى الأثر الكبير لهذه الساحة الفنية، أكد غرول في تصريحات وردت في وثائقي عرض أخيراً بعنوان «سالاد دايز» أن مؤسسي فرقة الغرانج الشهيرة كورت كوباين وكريست نوفوسيليتش قبلا ضمه إلى «نيرفانا» لأنهما «كانا يحبان فرقة سكريم». وقد اتسعت هذه الظاهرة في واشنطن التي كانت في تلك الفترة مدينة تنتشر فيها جرائم القتل وتعاطي المخدرات وتسمى «عاصمة الجريمة». ويذكر بنجامين ج. هاربرت أستاذ الموسيقى في جامعة جورج تاون بأن «المدينة تضررت كثيراً بفعل أعمال الشغب» عام 1968 اثر وفاة مارتن لوثر كينغ بعد اتخاذ تظاهرات في وسط المدينة طابعاً عنيفاً. ويشير إلى أن الموسيقيين الذين خاضوا هذا الغمار بعد عقد من الزمن «كانوا ينظرون إلى وسط المدينة على أنه مكان في إمكانهم فعل ما يحلو لهم فيه» إذ أنه كان منطقة شبه مهجورة في المساء. ويستذكر المغني السابق في فرقة «ماينر ثريت» ايان ماكاي أن «القطاع القائم للموسيقى حينها لم يلتفت إلينا» كذلك الأمر بالنسبة للحكومة والشرطة في واشنطن بسبب انشغالهما بأمور أخرى «كما أن أصدقاءنا كانوا ينظرون إلى ما نقوم به باستخفاف». ويقول من أرلينغتون على الضفة الأخرى من نهر بوتوماك: «كنا بعيدين عن الأنظار ما سمح لنا بتطوير أنفسنا». تميزت ساحة موسيقى البانك في واشنطن خلال مرحلة البدايات بالتنوع إذ كانت مساحة للقاء البيض والسود، كما اتسمت بحراكها السياسي والاجتماعي الذي جسدته منظمة مثل «بوزيتيف فورس» التي تأسست عام 1985 على يد موسيقيي بانك وهي لا تزال تقوم بأعمال خيرية.
مشاركة :