زيـد بـن أرقـم.. كذَّبـه كثـيرون وصـدقه اللــه

  • 11/25/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد ‮هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ‮(8) (‬المنافقون‮: ‬7‮ ‬ـ‮ ‬8‮).‬ جرت أثناء رجوع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منتصراً من‮ ‬غزوة المريسيع،‮ ‬التي‮ ‬جمع فيها بنو المصطلق لحرب رسول الله من قدروا عليه من قومهم ومن العرب،‮ ‬جرت وقائع عظيمة،‮ ‬نزل فيها قرآن،‮ ‬كان منها ما قاله رأس النفاق عبد الله بن أبي‮ ‬بن سلول،‮ ‬في‮ ‬النبي‮ ‬والمهاجرين،‮ ‬وكان قد خرج مع رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬بشر كثير من المنافقين لم‮ ‬يخرجوا في‮ ‬غزاة قط مثلها،‮ ‬ليس بهم رغبة في‮ ‬الجهاد إلا أن‮ ‬يصيبوا من عرض الدنيا‮.‬ وبينما المسلمون على ماء المريسيع،‮ ‬وهي بئر قليلة الماء،‮ حيث لا يملأ من الدلو سوى نصفه ‬أتى سنان بن وبر الجهني‮ ‬وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار،‮ ‬فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاري‮ ‬أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه،‮ ‬فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه،‮ ‬وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم،‮ ‬فنادى ‬سنان‮: ‬يا للأنصار،‮ ‬ونادي‮ ‬جهجاه‮: ‬يا للمهاجرين،‮ ‬فأقبل جمع من الحيين،‮ ‬وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة،‮ ‬فخرج رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فقال‮: ‬ما بال دعوى الجاهلية؟ فأخبر بالحال فقال‮: (‬دعوها فإنها منتنة،‮ ‬ولينصر الرجل أخاه ظالماً كان أو مظلوماً،‮ ‬فإن كان ظالماً فلينهه،‮ ‬وإن كان مظلوماً فلينصره‮).‬ عبد الله بن أبي وكان عبد الله بن أُبي‮ ‬يحنق على الإسلام والمسلمين،‮ ‬لاسيما على رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬حنقًا شديداً،‮ ‬لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته،‮ ‬وكانوا‮ ‬ينظمون له الخرز ليتوجوه ملكاً، إذ دخل فيهم الإسلام،‮ ‬فصرفهم عن ابن أبي،‮ ‬فكان‮ ‬يرى أن رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬هو الذي‮ ‬استلبه ملكه،‮ ‬وحين سمع ما جرى عند ماء المريسيع كان جالساً‮ ‬مع بعض المنافقين،‮ ‬وفي‮ ‬القوم زيد بن أرقم‮ - ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ - ‬وهو‮ ‬غلام لم‮ ‬يبلغ‮ ‬الحلم،‮ ‬فبلغ‮ ‬ابن أبي‮ ‬صياح جهجاه‮: ‬يا آل قريش،‮ ‬فغضب‮ ‬غضباً‮ ‬شديداً،‮ ‬وقال‮: لقد نافرونا وكاثرونا في‮ ‬بلدنا،‮ ‬وأنكروا منتنا،‮ ‬والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل‮: ‬سمِّن كلبك‮ ‬يأكلك‮‬،‮ ‬والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل،‮ ‬ثم أقبل على من حضر من قومه،‮ ‬فقال‮: ‬هذا ما فعلتم بأنفسكم‮: ‬أنزلتموهم بلادكم فنزلوا،‮ ‬وأسهمتموهم في‮ ‬أموالكم حتى استغنوا،‮ ‬أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحولوا إلى‮ ‬غير بلادكم‮.‬ فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر،‮ ‬فأخبر عمه رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وقال‮: ‬يا‮ ‬غلام لعلك‮ ‬غضبت عليه‮؟ ‬قال‮: ‬لا والله‮ ‬يا رسول الله،‮ ‬فقد سمعته منه‮. ‬قال‮: ‬لعله أخطأ سمعك‮؟ ‬قال‮: ‬لا والله‮ ‬يا رسول الله‮. ‬قال‮: ‬فلعله شبه عليك‮. ‬قال‮: ‬لا والله‮ ‬يا رسول الله‮.‬ حديث الناس شاع في‮ ‬المعسكر ما قال ابن أبي،‮ ‬وليس للناس حديث إلا ما قــال،‮ ‬وجعل الرهط من الأنصار‮ ‬يؤنبون الغلام ويلومونه،‮ ‬ويقولون‮: ‬عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم‮ ‬يقل‮. ‬فقال زيد‮: ‬والله لقد سمعت ما قال،‮ ‬ولو سمعت هذه المقالة من أبي‮ ‬لنقلتها إلى رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وإني‮ ‬لأرجــو أن‮ ‬ينزل اللــه على نبيه ما‮ ‬يصدق حديثي‮.‬ وجاء عمر بن الخطاب رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فقال‮: ‬يا رسول الله ائذن لي‮ ‬أن أضرب عنق ابن أبي،‮ ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬أوكنت فاعلاً؟‮‬،‮ ‬قال‮: ‬نعم والذي‮ ‬بعثك بالحق،‮ ‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬إذن لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة،‮ ‬لو أمرتهم بقتله قتلوه‮. ‬قال‮: ‬يا رسول الله فمر محمد بن مسلمة‮ ‬يقتله‮. ‬قال‮: ‬لا‮ ‬يتحدث الناس أن محمداً‮ ‬يقتل أصحابه‮‬،‮ ‬لا‮.. ‬ولكن أذن بالرحيل،‮ ‬وذلك في‮ ‬ساعة لم‮ ‬يكن‮ ‬يرتحل فيها،‮ ‬ولم‮ ‬يشعر أهل المعسكر إلا برسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬قد طلع على ناقته القصواء،‮ ‬وكانوا في‮ ‬حر شديد،‮ ‬فرحل في‮ ‬تلك الساعة،‮ ‬وكان لا‮ ‬يروح حتى‮ ‬يبرد،‮ ‬وأخذ‮ ‬يستحث راحلته،‮ ‬ليشغل الناس الخوض في حديث عبد الله بن أبي،‮ ‬فلقيه أسيد بن حضير،‮ ‬فقال‮: ‬السلام عليك أيها النبي‮ ‬ورحمة الله وبركاته‮. ‬فقال النبي‮: ‬وعليك السلام ورحمة الله وبركاته‮. ‬قال‮: ‬يا رسول الله قد رحلت في‮ ‬ساعة منكرة،‮ ‬لم تكن ترحل فيها‮. ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬أولم‮ ‬يبلغك ما قال صاحبكم؟‮‬،‮ ‬قال‮: ‬أي‮ ‬صاحب‮ ‬يا رسول الله؟ قال‮: ‬ابن أبي،‮ ‬زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل‮. ‬قال‮: ‬فأنت‮ ‬يا رسول الله تخرجه إن شئت،‮ ‬فهو الأذل وأنت الأعز،‮ ‬والعزة لله ولك وللمؤمنين‮. ‬ثم قال: يا رسول الله،‮ ‬أرفق به،‮ ‬فوالله لقد جاءنا الله بك،‮ ‬وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه،‮ ‬فإنه‮ ‬يرى أنك استلبته ملكاً. ظهور الحق ثم مشى‮ ‬النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬بالناس‮ ‬يومهم ذاك حتى أمسى،‮ ‬وليلتهم حتى أصبح،‮ ‬وصدر‮ ‬يومهم ذاك حتى آذتهم الشمس،‮ ‬ثم نزل بالناس،‮ ‬فلم‮ ‬يلبثوا أن وجدوا مـس الأرض فوقعوا نياماً، وقد فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث. أما عبد الله بن أبي‮ ‬فقد نصحه قومه بأن‮ ‬يأتي‮ ‬النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فيطلب منه أن‮ ‬يستغفر له،‮ ‬فمشى إلى رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فقال له صلى الله عليه وسلم‮: ‬يا ابن أبي‮ ‬إن كانت منك مقالة فتب،‮ ‬فجعل‮ ‬يحلف بالله ما قلت ما قال زيد،‮ ‬ولا تكلمت به،‮ ‬فقال من حضر من الأنصار‮: ‬عسى أن‮ ‬يكون الغلام أوهم في‮ ‬حديثه ولم‮ ‬يحفظ ما قال الرجل‮. ‬يقول زيد بن أرقم‮: ‬فصدقه رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وكذبني،‮ ‬فجاء عمي‮ ‬إليّ‮ ‬فقال‮: ‬ما أردت إلا أن مقتك رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وكذبك والمسلمون،‮ ‬قال‮: ‬فوقع عليّ‮ ‬من الهم ما لم‮ ‬يقع على أحد‮.‬ ولم‮ ‬يكد الصبح تبزغ‮ ‬شمسه، وقبل أن‮ ‬يدخل الركب المدينة المنورة حتى نزل الوحي‮ ‬على رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬بسورة المنافقون،‮ في ابن أبي ومن معه من المنافقين من أولها إلى آخرها، وفيها قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ‮(8)‬،‮ ‬وأرسل رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬إلى زيد بن أرقم فقرأها عليه، ثم قـــال: (وفت أذنـــك‮ ‬يا‮ ‬غـــلام،‮ ‬وصــدق الله حديثك‮)‬،‮ ‬ المجاهد المقدام كان زيد بن أرقم‮ - ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ - ‬من أكثر المجاهدين إقداماً على المعارك والغزوات التي‮ ‬فتح بها المسلمون الأرض أمام كلمة الحق،‮ فقد ‬تربى على أن الجهاد في‮ ‬سبيل الله هو إخراج للناس من الظلمات إلى النور،‮ ‬ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،‮ ‬لم‮ ‬يتخلف عن‮ ‬غزوة منذ قبله الرسول‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وحتى‮ ‬غزوة مؤتة التي‮ ‬دارت على مشارف الروم،‮ و‬كان زيد بن أرقم‮ - ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ - ‬أحد أبطالها، حيث‮ ‬خرج إليها مع عبد الله بن رواحة‮ رضي الله عنه ‬يحمله على حقيبة رحله،‮ ‬ويروي‮ ‬هو عن نفسه فيقول‮: ‬كنت رفيقا لعبد الله بن رواحة في‮ ‬غزوة مؤتة،‮ ‬فوالله إنا لنسير ليلة؛ إذ سمعته‮ ‬يتمثل بأبيات‮ ‬يتمنى فيها الشهادة،‮ ‬فلما سمعت هذه الأبيات بكيت،‮ ‬فخفقني‮ ‬بالدرة،‮ ‬وقال: ما عليك‮ ‬يا لكع أن‮ ‬يرزقني‮ ‬الله الشهادة،‮ ‬وترجع بين شعبتي‮ ‬الرحل؟ ‬وحقق الله لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه ما تمناه ونال الشهادة،‮ ‬وعاد زيد بن أرقم‮ ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ ‬ من دون صاحبه مع الجيش العائد إلى المدينة،‮ ‬وظهر بعد ذلك في‮ ‬موقعة صفين بين علي‮ ‬بن أبي‮ ‬طالب ومعاوية بن أبي سفيان في‮ ‬جيش علي‮ - ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ - ‬ولما انتهت معركة صفين نزل الكوفة وابتنى بها داراً‮ ‬في‮ ‬كندة،‮ ‬واعتزل الأمر كله،‮ ‬وعاش بها‮ ‬يعبد ربه،‮ ‬ويستقبل أصحابه،‮ ‬ويهدي‮ ‬إلى الخير،‮ ‬حتى أتاه أجله سنة ثمان وستين هجرية‮.‬

مشاركة :