الانتقال الديمقراطي بالمغرب الذي بدأ مع حكومة التناوب في العام 1998، وتكرس مع دستور 2011، لا يمكن التفريط في مكتسباته إرضاء لأهواء بعض الفاعلين السياسيين، وتماشيا مع مصالح ضيقة لا تهتم بالصالح العام ولا بمستقبل البلد. العربمحمد بن امحمد العلوي [نُشرفي2016/11/25، العدد: 10466، ص(9)] منذ أكثر من شهر والكل يحلل ويناقش أسباب تأخر الإعلان عن حكومة ما بعد انتخابات السابع من أكتوبر الماضي، فتوقف المشاورات التي أجراها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الحزب المكلف بتدبير التحالف لأجل إخراج تشكيلته الحكومية أغرى بتأويلات متعددة واقتراحات للخروج من هذه الحالة التي يتداخل فيها ما هو دستوري بما هو سياسي ونفسي أيضا. دستوريا سكت الفصل 47 عن نازلة عدم تمكن رئيس الحكومة المعين من تشكيل ائتلافه الحكومي، وأيضا لم يحدد آجالا لذلك ولم يتطرق أي قانون تنظيمي إلى هذه الحالة. فمنطوق الفصل يقول “يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”. وفي تقديري أن سكوت هذا الفصل الدستوري لا يمكن إرجاعه إلى قصور في إدراك الهيئة التي صاغت دستور العام 2011، ولم يكن إهمالا من طرف من اقترح فصوله، فتأويل الفصل 47 يجب أن يتناغم مع مستلزمات دولة الحق والقانون، وأن يستلهم عمقه التشريعي انطلاقا من هذا المعطى. ولا بد هنا من استحضار أن الهيكل العام للدستور جاء تلبية لطموح المغاربة وتم اعتماده في ظرفية حساسة متعلقة بالحراك الشعبي في العام 2011، والتعامل الجدي مع تصديره الذي ينص على أن الخيار الديمقراطي لا رجعة عنه. وبالتالي لا يمكن النكوص في باب اختيار رئيس الوزراء من الحزب الفائز مهما كانت مرجعيته، ما دام هذا الأخير مُطوقا بالقانون ومحكوما بالمحددات والمقومات الأساسية التي بنيت عليها الدولة المغربية مسارها وروحها. لهذا نستطيع القول إن تشكيل الحكومة المقبلة لا تحكمه فقط أبعاد تقنية مرتبطة بتأويل أحد فصول الدستور، بل متعلق بآلية تدبير عناصر القوة وموازينها سياسيا واجتماعيا اقتصاديا، والأهم في هذه النازلة هو أنه ليس من المفيد الذهاب في طريق تأويل سياسي ضيق لا يراعي أهداف ما ذهب إليه المشرع عندما صاغ الفصل 47 من الدستور. في النهاية كان المشرع، في هذه الحالة، مؤمنا بمسلَّمة استقرار دولة المؤسسات وهيبتها التي بإمكانها التعامل في إطار الدستور والقانون مع أزمة تشكيل الحكومة التي يعيشها المغرب الآن، ولنا في الفصل 42 ملجأ مفضل لإيجاد قاعدة نهائية وجيدة لإنهاء الجمود الذي تعرفه المشاورات بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأحرار بصفة خاصة. وللتذكير فإن الفصل 42 يقول إن “الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”. بكلمة واحدة فالملك بسلطته التحكيمية يمكنه تسهيل مأمورية تشكيل الحكومة بين الفرقاء السياسيين، وله السلطة الفعلية في الوقوف دون السطو على مسار الديمقراطية وخيار المواطن المغربي، وهو الضامن للإجابة على كل أسئلة التحولات التي يعرفها المجتمع ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، والذي كان واضحا في خطاب 9 مارس 2011 بعد الحراك الاجتماعي وسيبقى هذا التوجه الإستراتيجي مع كل امتحان يمر به المغرب. ومن ثم لا يجب تحميل الفصول الدستورية ما لا تطيق والذهاب إلى تأويلات لا تخدم البلاد، بل يجب العمل على تنزيلها في إطارها السوسيوسياسي الذي يمر به المغرب، فالتعامل مع المنهجية الديمقراطية بشكل براغماتي لا يراعي روح الدستور يفقدها تلك الهالة التي تحيط بالنموذج الديمقراطي المغربي. سياسيا مادام الاحتكام لنتائج الصندوق الانتخابي يفرض بعض إرادة أغلبية الشعب لا كلها، فإن ديمقراطية المشاركة تعطي الفرصة والأولوية لإدارة الإنجاز بتكتيكات لا تلغي ما أنتجته التجربة الديمقراطية بالمغرب التي بذلت جهودا كبيرة في نحتها. إن الركون إلى تقييم مبسط لما عرفته مفاوضات تشكيل الحكومة من عرقلة مقصودة وأخرى عادية، ومحاولة الهروب إلى حلول ترقيعية لتجاوز هذا السد من قبيل انتخابات أخرى ستكون على الأرجح مكلفة للمغرب داخليا، ومؤثرة على صورته خارجيا، أو ستفرز حكومة أقلية لن تؤدي مهامها بشكل سلس وفعال، أو الذهاب إلى تطويع بعض فصول الدستور لاستخلاص حلول هجينة لتقويض المنهجية الديمقراطية. نفسيا هناك من السياسيين من يعتبرون الجلوس على مقاعد المعارضة إهانة اجتماعية وسياسية، وهذا يتعارض مع الأعراف الديمقراطية، وهو من قبيل الفهم العقيم للأدوار التي تلعبها المعارضة في الأنظمة الديمقراطية والجهل بما أعطاه الدستور المغربي للمعارضة من أهمية للمحافظة على المكتسبات وتقويم ومراقبة لعمل الحكومة. لهذا من الضروري، في هذه الحالة، استحضار سلوك بعض ما يسمى بالزعامات والتنظيمات السياسية ووضعها تحت مجهر المعايير الديمقراطية ومحاسبتها بصرامة ومسؤولية عند عبثها بمقدرات البلاد واللعب بمستقبلها، عندئذ يمكن الحديث عن سلاسة سياسية ودستورية لتشكيل الحكومة المقبلة. ولا يمكن إفراغ الدستور كوثيقة سامية من مضمونه لمكايدة عبدالإله بن كيران رغم ما يمكن الملاحظة عليه سياسيا من إرباكات كثيرة، وتنصله من المسؤولية المباشرة في العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية، ولجوئه إلى “المظلومية” كحل لمشاكله. فالدستور أكبر من أن يشخصن تحت أي مسمى كان. إن الانتقال الديمقراطي بالمغرب والذي بدأ مع حكومة التناوب في العام 1998، وتكرس مع دستور العام 2011، لا يمكن التفريط في أي من مكتسباته إرضاء لأهواء وطموحات بعض الفاعلين السياسيين، أو تماشيا مع مصالح ضيقة لا تهتم بالصالح العام، ولا بمستقبل البلد ولا بمستقبل مواطنيه. ومن هنا يتوجب احترام مقتضيات الدستور وتنزيل فصوله بالشكل الذي يفيد مسار التحول الديمقراطي وتطوير آليات كفيلة بكبح جماح المتهورين باسم الديمقراطية. كاتب مغربي محمد بن امحمد العلوي :: مقالات أخرى لـ محمد بن امحمد العلوي تشكيل الحكومة المغربية بين التأويل الدستوري والطموح السياسي, 2016/11/25 فضيحة اختلاسات بسفارة مدغشقر, 2016/11/23 المغرب يوسع نفوذه الاقتصادي في أفريقيا من بوابة إثيوبيا , 2016/11/21 تاريخ جديد بين المغرب وأفريقيا يتوج بزيارة ملكية إلى إثيوبيا, 2016/11/19 الحريات الفردية في المغرب ممكنة بين الدين والقانون, 2016/11/18 أرشيف الكاتب
مشاركة :