رشيد الخيون يبحث ما إذا كان الجاحظ على حق

  • 11/26/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الباحث العراقي يرى أن المعتزلة حاولوا تجاوز الصد الذي كان مفروضا حول التفكير في المقدسات والبحث بعمق فيها. العرب [نُشرفي2016/11/26، العدد: 10467، ص(17)] جدل فكري بين مختلف المواهب بغداد - يتناول كتاب الكاتب والباحث في التاريخ، العراقي رشيد الخيون “جدل التنزيل مع كتاب خَلقِ القُرآنِ للجَاحِظ” أكثر القضايا الفكرية والحضارية جدلا في التاريخ الإسلامي ألا وهي جدل التنزيل للنص القرآني، التي شغلت فترة طويلة من الزمن بال المفكرين والدارسين، وخلقت ما يشبه الصراع بين مذاهب فكرية مختلفة، أشهرها المعتزلة الذين أسسوا لمفهوم أن النص المقدس مخلوق. يرى الخيون أن المعتزلة حاولوا تجاوز الصد الذي كان مفروضا حول التفكير في المقدسات والبحث بعمق فيها، “ففتحوا كوة في الجدار المقدس، تسرب منها خيط من النُّور، وهو حلم الله في سيادة العقل، كما اعتقدوا وسعوا إلى تثبيته، بمقالتهم الشهيرة ‘خلق القرآن’ مثلا”. يأتي كتاب “جدل التنزيل مع كتاب خَلقِ القُرآنِ للجَاحِظ” في طبعة رابعة منقحة ومزيدة عن الطبعات السابقة، ومنذ مطلع الكتاب يصارح الخيون قراءه بأن حيادية البحث والدراسة في المقدسات الحيَّة صعبة المرتقى، فللجدل والمعرفة حدود ليس لأي أحد تجاوزها، وما بعد ذلك من شأن الله، والكلام في الله لا يجوز، مثلما ورد عن بعض الأئمة “مَن تكلم في الله هلك”. هنا نستجلي صعوبة مهمة الباحث في تقصي الأفكار والتحقق منها بحيادية دون أن يسقط زمنه أو خصوصياته على المحاولة البحثية، وهو ما تجنبه الخيون بأن أتى بالنصوص لتنطق هي بذاتها محمولاتها الفكرية والدلالية. يقول الخيون في مقدمة كتابه “لقد أبهرني حب القلة القليلة من المؤرخين الأولين للمعرفة من أجل المعرفة، فدخلت في هذا الموضوع، وحرصت على ترك الروايات تتكلم، لحقيقة بسيطة وهي أن الرواية التي تعبر عن نفسها لا أجد مبرراً في تفكيكها ونسجها بأسلوب آخر، أو إسقاط تفسيرنا وتأويلنا عليها، ولعل ذلك في عرف الآخرين قصور في البحث أو تهاون في التحليل أو خشية من إبداء الرأي، لكنَّ كلَّ هذا لا وجود له، ماعدا أنها إذا كانت واضحة بسيطة فلا داعي إلى تعقيدها”. ويؤكد الباحث أنه التزم بالنصوص التي نقلها دون استنطاق، لأنه كلما تم الالتزام بالنُّصوص المروية وتوثيقها كان البحث رصيناً، ودون تعنت. وهذه هي طريقته المحببة في البحث. فبينما يحاول العديد من الباحثين سلب بهاء الرِّواية، ويتحدثون حول الحدث، وكأنهم شهود عيان، يتجنب رشيد الخيون ذلك، وهذا جلي في ما سيجده القارئ من غزارة في النُّصوص المروية، التي تجيب بنفسها عمَّا يطرح من تساؤلات حول القرآن كنص إلهي منزل وكتاب له تاريخ مِن فعل البشر، جمعوا آياته وسمّوا سوره وأدرجوا فيها هذه الآية أو تلك، وما حدث من جدل حوله، لم يكن الغرض منها التَّنصل من المسؤولية بقدر ما هو حرص على سلامة المعلومة، وقيمتها التَّاريخية. قسم الخيون كتابه إلى أربعة أبواب في بحثه في النص القرآني، نتبيّن في الباب الأول أحداثا وقضايا كثيرة حدثت مع النص القرآني، مثل أحوال نزوله إضافة إلى عملية إحصاء السُّور والآيات والحروف وعملية التعجيم والتنقيط علاوة على اختلاف القراءات. وأتى الباحث على أحداث تاريخية مثل حرق المصاحف واختلاف القراءات وأخبار التحريف، منتهيا في الباب الأول إلى كرامة النص وقدسيته؛ حيث نلاحظ في القسم الأول من الكتاب سعي الخيون إلى وضع إطار عام تمهيدي عن الكتاب المقدس لإثارة المبحث المطروح حوله. ويشرح الخيون في ثاني أبواب الكتاب تاريخ مقالة خلق القرآن واختلاف المتكلمين، ليخلص إلى دفاع المعتزلة الذي خلق كما يقول الباحث المحنة التي بيّنها بين نشوبها ومصيرها، آتيا على ذكر كل من ابن حنبل والمتوكل. وبعد أن قدم الجاحظ وكتبه المصاحف إضافة إلى مقالاته الكلامية في ثالث أبواب الكتاب، يرى الخيون أن مقالة خلق القرآن كما طرحها المعتزلة لا تعني أن القرآن من تأليف النَّبي محمد، كما يزعم خصومهم، كذريعة لإصدار فتاوى التكفير والقتل بحق قائليها، إنما تعني الفكرة ببساطة نفي صفة الكلام عن الله، وأن القرآن مخلوق من مخلوقاته وليس قديماً بقدمه، وإنه نزل على مصالح العباد وهي محدثة لا قديمة، في حال مِن الأحوال، فإذا كان النَّاس أنفسهم محدثين مخلوقين فكيف بمصالحهم؟ ينزل ويتكلمه أو ينطقه مَنْ أنزل عليه بطريقة ما، كرؤيا النائم، أو رؤيا اليقظان. وما جرى من الحديث حول الوحي وأوصافه قد لا يتوافق مع فكرة أو مقالة “خلق القرآن”. وفي الباب الرابع والأخير من مؤلفه يتطرق الباحث إلى “كتاب خلق القرآن” للجاحظ ليقدم منه مقولات حول خلق القرآن، وينشئ ذلك الجدل الفكري بين مختلف المذاهب حول واحدة من أعقد القضايا التي ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها على المفكرين العرب اليوم. ويقدم الخيون كتاب الجاحظ مع تحقيق له. :: اقرأ أيضاً أديبات متمردات على الذكورية بأسماء رجالية القصيدة صورة فوتوغرافية قبل أن تكون خطابا لغويا سعيد منتسب في كتابه ضد الجميع: لا براءة في الأدب ملفان سوري وفلامنكي في مجلة بانيبال

مشاركة :