تنظيم الاختلاف في التاريخ - مها محمد الشريف

  • 3/22/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

إن جوهر التاريخ هو القيمة غير القابلة للتجديد أو تسوية الخلاف فيه، فالوعي يطور بأسباب التاريخ ولكن التاريخ لا يطور بوعي الأسباب، بل يظل كما هو وإن طغت المشاكل والأحداث المتصارعة والمتقلبة. لقد دأبت الأمم السابقة على كتابة التاريخ بشكل غير منظم، وان الماضي عند أرسطو، مجرد ركام من الوثائق، بل عد التاريخ من العلوم العملية في مقابل العلوم النظرية. وكذلك الحال مع العالم المسلم ابن خلدون عندما اعتبر أن حقيقة التاريخ خبر وإخبار عن الكائن البشري في صيغته الاجتماعية والعمرانية وما يطرأ على هذه البنية الاجتماعية من تحولات وتغيرات، فقد كان لكل منهما طريقته الخاصة في كتابة التاريخ، وبذلك نقل سياق الأحداث حسب وقوعها وزمن تدوينها، فكانا أكثر ذاتية للحقائق الإنسانية والتاريخية، إلى أن قال دلتاي: (من يكتشف التاريخ هو تماماً مثل الذي صنعه). فهل نحن اكتشفنا التاريخ؟ أم التاريخ هو الذي اكتشفنا وصنعنا؟ إن الإجابة عن هكذا أسئلة، لا تعني إلا أمراً منفرداً مهماً، هو إدراك الحقيقة وتحديد النتائج التي تطابقها. بينما ينفي كثير من المؤرخين جمود التاريخ وتراكم أحداثه، ونستخلص مما سبق أن التناقضات والاختلافات، وثائق الوقائع، لذلك امتثلت الأحداث للسرد العشوائي، وبقيت العلاقة بين البناء والمناخ الثقافي متنافرة، غير أنهم اهتموا بالسياسة وتقلباتها المتباينة وتسلسل أزمنتها. مما جعل "بول ريكور" يربط التاريخ بالقصة، ويحول الأحداث التاريخية إلى حكاية باعتبار الحبكة جملة ترتيبات فالحبكة هي الوسيط بين التاريخ والحدث، ولخص مهمة المؤرخ هنا كمهمة السارد، لذلك فرق أرسطو: بين نوعين من الحبكة منها البسيطة ومنها ما ضم عناصر زمنية متنافرة، ونعيش حالياً ضمن المفهوم، ونحفظ الوثائق ونرمم القديم البالي، لكي نعيد من جديد ثقتنا بالتاريخ، ونحرص على بناء الواقعة التاريخية، ونطرح السؤال الذي كرره ريكور في كتبه عن التاريخ كثيراً، بأي معنى يصبح التاريخ علماً؟ في حين يرى المؤرخون أن المفاهيم لا ينبغي الوقوف عندها وملاحقتها من مقام فكري وثقافي، بل يجدون ان المحطات في التاريخ أهم من المواقف، ولا يضيرهم تحولاتها الثقافية، أو تفاعلاتها التي تشكل عيوباً في التواريخ الموجزة كما اعتبرها كتّاب التاريخ، وعلى سبيل المثال العلوم التي ولدت على أيدي علماء وفلاسفة كبار، وكيف ضاعت أغلب تلك المعارف العظيمة، وسقطت من التاريخ وتلاشت، ولو وجدت تلك العلوم لكان لها أبلغ الأثر في البحوث العلمية وازدهارها. ومن خلال هذه الدراسة المعرفية يجدر بنا القول إن الاختلاف في التاريخ غير منظم وعشوائي، وقد تجرد من المعلومة الثقافية، والفائدة العلمية بمعية الترجمة غير الدقيقة، إضافة للوثائق المفقودة التي انتقصت من البحوث العلمية والتجارب، مما مزج الأساطير بالظواهر الطبيعة، ورافقت الأسطورة العلم، تماماً كما هو الحال مع التنجيم وعلم الفلك، ومدى ارتباط البابليين، بأوضاع القمر والشمس والكواكب الأخرى والخسوف والكسوف، واستفاد منهم الفلكيون والمنجمون معاً كما علم معظمنا. مما أوجد لدى المتلقي ضوابط وقواعد تفيد بأن التاريخ للتوثيق فقط، وأن الأصول فيه منقوصة ومبعثرة ومن البديهي تنظيم الاختلاف، لكي تندرج الأحداث ضمن أهميتها وليس مفهومها، ولو أردنا تطوير هذه المادة – كمادة منهجية تعليمية، فإنها تستدعي التفسير حول التناقض والجدل، ومن ثم إعادة بناء الماضي في الأذهان، ليس لكونها معلومات ثقافية فكرية فقط، وإنما كإضافة مزدوجة للحاضر واستنتاجات حقب مطولة من الماضي، تكون أكثر نسقاً، ودلالة ومقصداً ومعنى، في سياق علمي جديد يرى الماضي بمنظار الحاضر.

مشاركة :