غايتنا من إلقاء الضوء على بعض الشواهد توضيح العلاقة التواصلية التي أحدثتها ثورة الاتصالات بين العرب والغرب، والوسائل التي حققت ذلك على أرفع المستويات وأهمها، رغم اختلاف الثقافات والفروق الحضارية بين العالمين. قد يقول قائل إن الشيء الذي يعيشه يختلف عما كان يسمعه، فعندما تعيش حياة الأحلام تنتقل إلى عالم آخر من الأمنيات الكبار، وهذا الارتباط يفسح المجال للجدل والاستفسار وتطفو ظاهرة الإبداع الجمالي لكل الأشياء، إن البحث عن المسائل الجذرية يعد هدفاً فاضلاً ومهمة رئيسية في تدبير شؤون الحياة وسياق مشروع لفرض ثقافة لا تتعارض مع ملة المجتمع واعتقاده. والحقيقة إن العالم يتألف من حضارات وثقافات وشعوب ودول تتفق في السلام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتختلف فيما عداها، وفي خطاب الفارابي قال الدكتور موسى عبدالله عنه: إن البحث في هذه المسائل جزء من علم السياسة لا علم الأخلاق، وهدف الفارابي من الناحية الواقعية من خلال مشروعة الفكري، كانت الدولة ويقصد بها الأمة هي المطمح الممكن والأعلى، ودولة المدينة هي المطمح الأدنى، وأي منهما تحقق مشروع الفارابي، اعتقاداً منه بإمكانية قيام عدد من الدول الفاضلة لكل منها دين فاضل خاص بها، وبذلك نستنتج مع الكاتب أن تعدد الدول الفاضلة يرجع في النهاية إلى تعدد الأمم واختلافها. فإذا أعدنا ترتيب العلاقة بين الثقافات نرتقي إلى سلم المعرفة ونستثمر التاريخ القديم والحديث وما يربط بينهما، فقد عرف الغرب الثقافة العربية الإسلامية ومنطقها وعلومها واكتشافاتها وابتكاراتها، ولحسن الحظ أنهم حافظوا على هذا الإرث من الزوال وأصبحوا بفضلة مختلفين تطورت علومهم على أساسه فكان تأثير الحضارة الإسلامية المزدهرة عليهم كبيراً وعلامة مضيئة في تاريخهم. لقد درس علماء الغرب نتاج علماء المسلمين وبرعوا في مختلف العلوم واقتبسوا هذه الثقافة الثرية وشهد الجراح الفرنسي ومؤرخ الطب البرفيسور فورغ إلى أن العرب»قرروا منذ البداية تقريراً صريحاً حول المبادئ التي ينبغي أن يسير عليها العلم وعدم قبول شيء على أنه حقيقة إلا بعد ثبوته بالتجربة ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي أثبتوا أنهم قد ملكوا الطريقة العلمية الصحيحة. إن العقول المتفتحة قادرة على استعادة الأمجاد على نحو يقيني، فما ورد في التاريخ والبحوث ترجم الكثير من الكتب العلمية والفلسفية، ليصبح لها الأثر البالغ في إنشاء ثقافة وحضارة تعزز ما سبقها وتكافئ غايات الأفعال، وفي حضرة هذه التقنية المذهلة نستطيع مجاراة الغرب وإقصاء النظرة الدونية لجهود العقول العربية والمدارك السليمة. ومن ذلك يعتقد بل يجزم العالم أن علماء المسلمين لم يتركوا من فروع العلم وطرق البحث العلمي والاكتشافات والاختراعات شيئاً إلا عرفه الغرب واحتفظ به وقد نسبوا بعضاً من تلك العلوم لمجموعة من علمائهم، لقد غمر علماء المسلمين الفراغات المظلمة بالنور وذاع صيتهم وأحرز الإنسان التقدم بالتسلسل إلى أن وصل إلى آلة التقنية فكان لتأثير الثقافة الإسلامية دور كبير في تطور الحضارة الغربية. وتمهيداً للانتقال من عصر الدهشة إلى تاريخ حافل من صنيعة العقول المسلمة الفذة، نقول إننا حصيلة حضارات عظيمة تخاطب العقول بالاعتلاء عن منحدرات الإخفاق، فالضياء تم تسليطه على هذه الأمة التي يُراد تمزيقها ودفن آثارها لكي تبقى جميع الميادين تحت سيطرة دخيلة لا قيمة لها ولا تحصيل.
مشاركة :