هل يراد نقل اللبنانيين من فراغ الى فراغ؟

  • 11/27/2016
  • 00:00
  • 37
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن النظر الى المشهد اللبناني الآن، بعد انتخاب رئيس الجمهورية وبدء العمل لتــأليف الحـكـــومة، إلا من زاويتين متباعدتين: أولاهما، محاولة استغلال الفرصة لإعادة بناء الدولة (أية دولة؟!)، وتالياً إبعاد شبح الإنهيار الذي أطل برأسه في ظل الفراغ الدستوري والسياسي لعامين ونصف العام، أما الثانية، فالسعي الى تشويه الصورة وزرع ألغام فيها بأساليب، بعضها يتغطى بما يوصف بالحقوق والحصص، لكن بعضها الآخر نافر الى درجة تشي بأن شيئاً لم يتغير لدى هؤلاء، لا في الشكل سابقاً وراهناً ولا في المضمون مستقبلاً. ومن البداية، لا بد من القول إن المسألة داخلية لبنانية في جانب، الا أنها اقليمية ودولية في الجانب الأكبر والأهم منها. ذلك أن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد أعوام من اعتباره جزءاً من «محور المقاومة والممانعة» في المنطقة ودعمه على هذا الأساس، لم ينزل برداً وسلاماً على أطراف المحور في لبنان، ولا طبعاً على قيادته في طهران أو تابعها في دمشق، ما دامت جميعها كانت تستثمر يومياً في الفراغ اللبناني، سياسياً وايديولوجياً وأمنياً وعسكرياً، بينما تقيم في الوقت ذاته دويلتها الخاصة، في هذا الفراغ وعلى حسابه، استعداداً لما تخطط له في المستقبل. لم تكن هذه الأطراف تتوقع إمكان وصول عون الى الموقع، ولهذا تحديداً كانت ترفع صوتها بدعمه ومطالبة الآخرين بانتخابه، وبدا واضحاً أنها فوجئت بالأمور التي أدت اليه (تأييده من قبل رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، بعد موقف مماثل من رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع)، تماماً كما فوجئت بخطاب القسم الذي ألقاه في مجلس النواب فور انتخابه، لا سيما لجهة تعهده أولاً إعادة بناء الدولة، ثم لجهة تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة والتزامه مواثيق الجامعة العربية والأمم المتحدة. ولعل مسارعة طهران ودمشق لإرسال وزيرين رفيعين الى بيروت، بعد 24 ساعة فقط من الانتخاب، كان التعبير الأكثر جلاء عن هذه المفاجأة. لكن ما حدث كان قد حدث، فضلاً عن أنه ليس سهلاً العمل على اعادة عقارب الساعة الى الوراء. الآن، وبعد أربعة أسابيع تقريباً، لم يعد خافياً أن في خطة «المقاومة والممانعة» هذه محاولة إعادة الوضع في لبنان الى ما كان عليه قبل الانتخاب: سياسياً، منع قيام الدولة بتصعيد الشروط لتـــشكيل أولى حـــكومات العهد من ناحية، واللجوء الى «تظاهرات القوة» بالسلاح والتهديد باستخدامه عندما تدعو الحاجة من ناحية ثانية. على الصعيد السياسي، لا يفعل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مفاوضاته لتشكيل الحكومة سوى أنه يعمل على زرع ما يسمى «الثلث المعطل» فيها، من خلال حجز مقعدين وزاريين لرئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية (صديق بشار الأسد الدائم) و «الحزب السوري القومي الاجتماعي» (المشارك في كل حكومات الأسد في دمشق)، واذا فرض شرط «التعطيل» هذا على حكومة عون/الحريري في ما لو أرادت اتخاذ قرارات لا تتفق مع سياسات «محور المقاومة والممانعة» في لبنان أو في أي بلد من بلدان المنطقة. واذا لم ترَ حكومة العهد الأولى النور إلا بشروط بري هذه، يكون البلد قد عاد في الواقع الى ما كان عليه قبل انتخاب عون، أي الفراغ الدستوري والسياسي مجدداً، لكن في السلطة التنفيذية كلها هذه المرة بدلاً من رئاسة الجمهورية وحدها كما كانت حال لبنان في خلال الفترة السابقة. أما على صعيد «تظاهرات القوة»، فلم يكن العرض العسكري الضخم الذي قام به «حزب الله» في مدينة القصير السورية على الحدود مع لبنان، كما زميله شبه العسكري الذي قام به «حزب التوحيد» الدرزي (الداعم والمدعوم من طهران ودمشق معاً) في إحدى بلدات جبل لبنان، سوى نوع من عرض العضلات، وحتى أجراس الإنذار العلنية، في وجه من قد يظن أن شيئاً جدياً يمكن أن يتغير في لبنان بعد انتخاب رئيس للبلاد أو بعد تشكيل الحكومة الجديدة فيها. ولأن العرضين هذين جاءا عشية وغداة العرض العسكري اللبناني الذي تم للمرة الأولى منذ سنوات بمناسبة عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد حملا معنى مضاعفاً في رأي المراقبين في لبنان وفي الخارج على حد سواء. وهذا كله، كما ذهب البعض للقول، انما يستهدف إبلاغ من يعنيه الأمر أن ما وصف بـ «حزب الله الإقليمي»، وفق احدى تقليعات اعلام الحزب أخيراً، انما يقوم بعمله خارج الحدود، في سورية والعراق واليمن والبحرين وغيرها، لكن «حزب الله اللبناني» لم يغادر موقعه الأصلي داخل بلده، لا في السياسة المحلية ولا في مهمته الأولى كـ «جندي في جيش الولي الفقيه» الايراني: المقاومة ضد الاستكبار في كل مكان، ومن أي مكان وموقع كان مصدره! ... وهل يبــقى أمام لبـــنان، في ظل ما عاناه ســـابقاً وما لا يزال يتــعرض له الآن، ســوى انتظار مدّ يد العون له من أشقــائه في الدول العربـــية بخاصة، كما من أصدقائه في العالم عموماً؟

مشاركة :