العلاقات السعودية - الأميركية تحالف صامد رغم كل التحديات

  • 3/23/2014
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي ليس هناك موضوع على الساحة الدولية يدهش المراقبين السياسيين أكثر من رسوخ وصلابة العلاقات السعودية - الأميركية، على رغم ما واجهته من تحديات وصعوبات منذ تأسيسها قبل 80 عاماً. نجحت الرياض وواشنطن في تحصين هذه العلاقة ضد أي تهديد واستطاع صناع القرار في العاصمتين تحويل كل تحدٍ للعلاقة إلى فرصة لتمتينها والانطلاق بها من جديد نحو فضاءات أرحب من التعاون الاستراتيجي. دهشة المراقبين مردها حجم التحديات التي واجهت العلاقات والتي أطاح شبيهها بعلاقات بين دول جمعتها مصالح لا تقل أهمية، كما تزداد الدهشة لهذه الصلابة في علاقات البلدين بالنظر إلى الاختلاف الثقافي الكبير بينهما وافتقاد العلاقة لقاسم حضاري مشترك، فالمملكة رائدة الأمة الإسلامية والولايات المتحدة زعيمة النظام الرأسمالي الغربي، وبين الطرفين ما بينهما من اختلافات جذرية معلومة، كيف إذاً صمدت العلاقة وترسخت على رغم كل التحديات واختلاف المرجعية الحضارية للبلدين؟ لا يمكن تفسير هذه الحال من الانسجام المتقدم جداً بالرجوع للمصالح التي تجمع البلدين فقط، فالعلاقات بين دول العالم كافة تقوم على مصالح مشتركة والتي لولا وجودها لم يكن هناك حاجة للعلاقات أصلاً. السر في متانة التحالف السعودي - الأميركي نجده في الكيفية التي تدار بها العلاقة، فمنذ اللحظات الأولى للتأسيس أدرك الطرفان حدود العلاقة واتفقا على ترك مساحة للقضايا الخلافية كي لا تمس جوهر العلاقة الثنائية. كانت فلسطين وما زالت القضية الخلافية الأولى والأكثر أهمية في العلاقات، إذ تعبر الرياض وواشنطن عن موقفين مختلفين بشكل تام ويستمران في التمسك بموقفيهما المتعارضين، فالرياض تلتزم بموقف ثابت يتمثل في إنهاء الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، في حين تستمر واشنطن في تقديم دعمها الكامل لإسرائيل. ومنذ تأسيس العلاقات السعودية - الأميركية والقضية الفلسطينية محل نقاش وجدل عميق ومتواصل بين المسؤولين السعوديين والأميركيين يصل أحياناً حد التصادم، إلا أن الطرفين يحرصان دائماً على ألا يؤثر هذا الاختلاف مهما اشتد في العلاقات الثنائية بأي شكل كان. هذا إذاً سر صمود التحالف السعودي - الأميركي خلال هذه العقود.. «تأطير وتقنين الاختلاف مهما كان حجمه». من أبرز التحديات التي واجهت العلاقات السعودية - الأميركية حرب 1973 وحظر المملكة تصدير النفط، وكان ذلك قراراً استثنائياً لأسباب مبدئية وعملية أثبتت المملكة من خلاله قدرتها واستعدادها على توظيف أهم إمكاناتها لحماية المصالح العربية. ولكن سرعان ما تجاوز الطرفان هذه الأزمة واستعادت العلاقة قوتها وتأسست استراتيجية للتحرك المشترك على المستوى الدولي استمرت حتى 2001 حيث هجمات أيلول (سبتمبر) التي كادت تعصف بالعلاقات. من يتذكر تلك الهجمات الإرهابية وتداعياتها الخطرة - حيث الدعوات من كل أطياف المجتمع الأميركي لمعاقبة السعوديين وقطع العلاقات معهم - لا يمكن أن يصدق أن العلاقات تعود من جديد وفي ظرف 4 أعوام فقط وتكتسب أبعاد تعاون جديدة بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين للولايات المتحدة، إذ تستقبل الجامعات الأميركية أكثر من 100 ألف طالب، ويتوثق التعاون لمواجهة الشبكات الإرهابية في المنطقة وخارجها. فبعد أن كانت حال الطوارئ تستنفر في مطار أميركي لمجرد اكتشاف خطأ في تأشيرة طالب سعودي، نجد أن الطيارين السعوديين يعودون للتحليق بطائراتهم الحربية فوق الأراضي الأميركية ضمن مناورات العلم الأحمر. السبب في هذا التحول السريع وغير المتوقع يكمن في السر الذي أشرنا إليه والذي لم يدركه الكثير من المراقبين والمتمثل في كيفية إدارة العلاقة، هذا السر هو ما يجعلنا نطمئن بأن ما تعانيه العلاقات بين الرياض وواشنطن اليوم من توتر بسبب اختلاف المواقف من الربيع العربي، وكذلك حول التفاهمات الأميركية - الإيرانية سيتم تجاوزه وستعود العلاقات إلى كامل قوتها وصلابتها. وكما اختلفنا ولا نزال حول فلسطين، فلنختلف على الربيع العربي لكن دون أن نسمح لاختلافنا أن يؤثر في علاقاتنا الثنائية، ولكن هناك شرط مهم جداً لضمان استمرار نجاح هذه المعادلة وهو حماية العلاقة من تأثير وتدخلات من هم خارجها سواء من الناحية المؤسسية أو الفكرية. وهذا هو المتغير الوحيد الذي ظهر لي في التوتر الراهن والذي يسبب القلق على مستقبل العلاقة في حال تمكن هؤلاء من التأثير على العلاقة بأفكارهم وأطروحاتهم المتوترة. أدركنا ورضينا بأن العلاقة مع واشنطن تعد أحد الأسس الاستراتيجية لسياستنا الخارجية، وهذا يعني ضرورة المحافظة عليها وحمايتها، كما أدرك صناع القرار في واشنطن عبر العقود الماضية القيمة الاستراتيجية للعلاقة مع المملكة وحرصوا على حمايتها وتجاهل كل دعوات لإعادة النظر فيها، وهي دعوات تصدر ممن لا يدركون عمق هذه العلاقة وأهميتها للتحرك الأميركي في العالم. وهذا ما سيتم تأكيده من جديد عندما تستقبل الرياض أوباما خلال الأيام المقبلة.     * نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان وأكاديمي سعودي

مشاركة :