محمد رُضا عام آخر ينطوي والسينما لا تزال سائدة ولو في ظروف مختلفة عما كانت عليه قبل عشر سنوات، أو حتى أقل. عشرات ملايين الناس يقبلون عليها كل يوم في الصالات، وملايين أخرى تتابعها في راحة من منازلها، والإنتاج، لو أخذنا المعدل الوسط لمئة دولة تتقدمها الصين والهند ونيجيريا والولايات المتحدة والقارة الأوروبية، يصل إلى خمسة آلاف فيلم، أو يزيد. المهرجانات الدولية، عربية وأجنبية، وحدها تتداول قرابة 1000 فيلم في العام. ولو أن نصفها من تلك التي تنتقل من مهرجان إلى آخر، فإن ذلك يتركنا أمام نحو 500 فيلم يقبل عليها الهواة من كوريا إلى القاهرة، ومن جنوب إفريقيا إلى البرازيل. على ذلك، نسمع ونقرأ دوماً أن السينما في أزمة، فهل ذلك صحيح؟ هل هي في سنوات وجودها الأخير، أم أن وضعها مستقر رغم كل ما يشوب حاضرها من حالات، ومستقبلها من أسئلة؟منظومة سينما 2018 أكدت الجواب عن مثل هذه الأسئلة، ومشتقاتها، من ناحية، وبالنظر إلى سينما معينة بينها العربية والأوروبية واللاتينية، هي موجودة للتعبير عن الحراك الاجتماعي الحاصل، لعكس نظرات ورؤى صانعيها في الحياة من حولهم. كذلك لسرد قصص تهمهم وتكشف جوانب خفية لا يتلقفها الإعلام الإلكتروني، أو يكترث لها.في معظم دول العالم أفلام تُنتج كل عام ترفض الصياغة الجماهيرية السهلة، وتلتصق بالمواقف، وبالشخصيات، والقضايا. هذا يقع جنباً إلى جنب مع السينما الجماهيرية السائدة والمنتجة، في الأغلب، في الدول ذاتها التي تتعامل أفلامها مع ما هو إنساني، وفكري، وثقافي.نأخذ السينما الآسيوية في كوريا الجنوبية واليابان وتايلاند وتايوان والصين. ما نجده مؤكداً اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو المسيرة المزدوجة لسينماها، فإلى جانب «احتراق» المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي ممثلاً السينما الكورية، هناك العديد من الأفلام التجارية التي تكترث لحصاد السوق، وليس لما عداه.وهذا يتكرر خارج تلك المنظومة الجغرافية. نراه في السينما العربية، وفي سواها، حتى في السينما الأمريكية، المصدر الترفيهي العالمي الأول، ليس حجماً (تعرض ما معدله 250 فيلماً أمريكياً كل سنة)، بل انتشاراً.صحيح أن هذا الوضع بحد ذاته ليس حكراً على العام الآيل للانصرام، والانضمام إلى خزانة الماضي المكتظة، إلا أن الصحيح أيضاً دخول عوامل متعددة جعلت السينما، بكل اتجاهاتها، تقف على مفرق طرق جديدة لم تعهدها من قبل.أحد أهم متغيراتها حضور شركة «نتفلكس»، المتخصصة في العروض المباشرة للمنازل، القوي كرديف قوي للإنتاج والعروض السينمائية، ومن أبواب شتّى. المفهوم الخاص بالشركة، كما بشركة «أمازون»، ثانية أكبر الشركات في هذا الشأن، هو توفير الترفيه عبر الأفلام لكل البيوت في كل مكان. وكل من يستطيع دفع نحو دولار في اليوم لقاء اشتراكه سيستطيع مشاهدة ما يريد من أفلام جديدة، وقديمة. ليس هذا فقط، يستطيع الكاتب بيع عمله، والمخرج بيع فيلمه. هذا إذا لم تبادر المؤسسة العملاقة للاتصال بصانعي الأفلام، وتوفير عقود عمل مع منح المخرجين حرية لم تعد متاحة للعديد منهم حال تعاونهم مع الاستوديوهات، والشركات السينمائية التقليدية.في العام الجاري، تداولت «نتفلكس» 68 فيلماً جديداً أنتجتها مباشرة، أو وزّعتها عبر قناتها المباشرة. من بينها ما هو روائي، وما هو تسجيلي، وما هو رسوم متحركة. من بينها ما هو أمريكي، وما هو من أنحاء العالم المتفرقة. هناك أفلام جادة بينها، وهناك أفلام للترفيه فقط. بذلك باتت كما لو كانت تلخيصاً لماهية السينما ذاتها. الطريق إلى روما من بين أهم أفلام الشركة المنتجة هذه السنة «روما» الذي لم تخل قائمة نقدية من ذكره، فهو إما أفضل فيلم للعام، وإما من بين أفضل عشرة أفلام للعام. وهو مرشح عنيد في مسابقتي «جولدن جلوب»، و»الأوسكار»، كأفضل فيلم أجنبي.الفيلم شكّل مع سواه، رأس حربة «نتفلكس» إلى المهرجانات العالمية، فقد عرض أولاً في مهرجان «فينيسيا» حيث خرج بجائزته الأولى، جنباً إلى جنب مع عدد من أفلام هذه الشركة، ومنافستها «أمازون». وكلتاهما كانت محور اهتمام حول مبدأ التعامل مع شركتين لا تؤمنان بالعروض التقليدية (التوزيع لصالات السينما)، وتهددان تقليداً راسخاً منذ 1895 عندما بدأت عروض السينما في المقاهي والمنتديات، ثم في صالات شيّدت خصيصاً للغاية.لهذا السبب رفض مهرجان «كان» هذا العام عرض أي من أفلام الشركات، رغم أن ما تقدمت به كان من النوع الفني الذي يناسب اهتماماته. ما رفضه «كان» قبِله مهرجانا «برلين»، و»فينيسيا»، ومهرجانات أخرى حول العالم، على أمل الفوز بأعمال المخرجين الكبار مثل ألفونسو كوارون، مخرج «روما»، والأخوين كووَن، مخرجا «أنشودة بستر سكرجز».الوضع بذلك دقيق. نعم هذه الشركات تهدف إلى سرقة تقليد شامخ يؤثر في سلسلة عريضة من حلقات الإنتاج يبدأ بشركاته، ولا ينتهي بصالاته، لكن من كان سيفكر في تمويل فيلم «الجانب الآخر من الريح» ليرى النور؟ذلك الفيلم بدأه الراحل أورسن وَلز سنة 1970 وتوقف عنه سنة 1975 بعدما نفدت أمواله، ومات في الثمانينات من القرن العشرين، وهو لا يزال يمنّي النفس بإنجازه.بنجاحات محلية وسط هذا الوضع الذي يشبه تقاطع طرق كل منها مزدحم بالاستنتاجات والاحتمالات، واصلت السينما التي ما زالت تنتج حسب التقاليد السائدة طريقها، وبنجاح متواصل.والواقع أن المسألة لم تعد مجرد أرقام تنجزها الأفلام العالمية، وتتنافس فيما بينها على استحواذ المراتب العشرة الأولى، أو نحوها. هناك أسواق عدة فجّرت هذا العام مفاجآت مختلفة على صعيد العروض المحلية، أو الإقليمية، أو الدولية.مثلاً، وعلى نحو يتطابق نموذجياً مع التعريف السابق، فوجئت «هوليوود» بأن فيلماً يابانياً بميزانية لا تتعدى 27 ألف دولار أزاح فيلمين كانا سادا العديد من الأسواق العالمية الأخرى.إنه «قطعة من الميّت»، فيلم رعب حول انتشار «الزومبيز»، صور في ثمانية أفلام من دون أسماء معروفة، وتولى قيادة «شباك» التذاكر الياباني عنوة بدلاً من «هان صولو»، و«فينوم»، الأمريكيين المتمتعين بعناصر النجاح الكبيرة المعتادة. موضوعات سائدة السينما الأمريكية ما زالت السائدة في مختلف العواصم العربية. هناك آلة توزيع حذقة تؤمها ولا تفعل ذلك في المقابل أي سينما أخرى. حتى العربية التي تبدو أكثر قلقاً على مصيرها على الرغم مما يتضح ظاهرياً من أنها صامدة في وجه المتغيرات.اشتغلت السينما العربية، كعادتها، على السائد من المواضيع، والطروح الاجتماعية، والسياسية، والكثير منها دار حول المرأة. هي مركز اهتمام في فيلم «عمرة والعرس الثاني» للسعودي محمود الصباغ، و«صوفية» لمريم بن مبارك (المغرب)، و«ليلى» لفوزي بن سعيدي (المغرب)، و«إلى آخر الزمن» لياسمين شويخ (الجزائر)، و«لعزيزة» لمحسن بصري (المغرب)، و«ورد مسموم» لأحمد فوزي صالح (مصر)، و«بلا وطن» لنرجس النجار (المغرب).الموضوع الطاغي الآخر هو الإرهاب والجماعات المتطرفة كما في «فتوى» لمحمود بن محمود (تونس)، و«ولدي» لمحمد بن عطية (تونس)،و«ريح رباني» لمرزاق علواش (الجزائر).بدوره، جمع فيلم «الرحلة» لمحمد الدرّاجي بين البطولة النسائية والفعل الإرهابي، إذ إن بطلته تهب نفسها لقضية تكتشف لاحقاً أنها لا تستطيع تنفيذها. هذا أحد أفلام طرحت الموضوع الجامع لما حل بالمجتمعات العربية تبعاً لهذا التشدد، وما قد ينجم عنه مستقبلاً.هذا لا يعني أن المواضيع التي تتناول حياة الأفراد بعيداً عن جنس المولود، وبعيداً أكثر عن الواقع المعيش في كنف الإرهاب الحاصل كانت محدودة، أو قليلة.إذا ما صرفنا النظر عن كل فيلم جماهيري النشأة أنتج في مصر ولبنان والمغرب، فإن حصيلة الأفلام التي عالجت مواضيع اجتماعية مختلفة كثيرة بدورها. «جود مورنينج» للبناني بهيج حجيج عن عالمين يحتضران، واحد قابع داخل مقهى متمثلاً في رجلين عجوزين، والآخر خارج المقهى متمثلاً في المدينة.عن المدينة ومتاعبها شاهدنا «ليل/ خارجي» لأحمد عبدالله السيد. ورسم مروان حامد صورة كبيرة رائعة عن مصر تاريخاً وزماناً، في «تراب الماس»، بينما نأى المخرج المصري أيضاً أحمد فوزي صالح صوب بيئة تكمن على يسار كل البيئات المهمّشة في «ورد مسموم». وحول الحرب المستعرة في سوريا قدّم جود سعيد فيلمه الجديد «مسافرو الحرب».واللافت أنه من بين الأفلام التي تستحق الذكر كان هناك منها ما تناول المصابين بعاهات، أو أمراض مستعصية: الجذام في «يوم الدين» (مصر)، والتوحد في «في عينيّا» لنجيب بلقاضي (تونس).ومع كثرة ما يعرض في المهرجانات العربية: قرطاج والقاهرة والجونة أساساً، فإن الوجهة المفضلة للمخرجين العرب هي العالمية.وما شهده العام 2018 في هذا الإطار هو استمرار الاتكال على المهرجانات الدولية: «برلين»، «لوكارنو»،»فينيسيا»، «صندانس» و«كان» أساساً، لإطلاق الفيلم العربي الباحث عن نجاح عالمي. وفي هذا الشأن عرض «يوم الدين»، و«كفرناحوم»، في مهرجان كان الفرنسي هذه السنة. ومن هناك توجها لمهرجانات أخرى. تفرد «كفرناحوم» الفيلم اللبناني «كفرناحوم» لنادين لبكي هو الأعلى نجاحاً بين كل ما أنتج من أفلام عربية، سواء التي عرضت في المهرجانات الدولية أو التي لم تعرض.ليس الفيلم الجيد فنياً، ولا الحقيقي في مضمونه؛ بل هو العمل الحذق في توفير مادة تعرف المخرجة كيفية توظيفها؛ ليشق طريقه إلى «الأوسكار» و«جولدن جلوب»، أسوة بالأفلام الأخرى المتنافسة على الجائزتين الثمينتين. أفضل 10 أفلام عربية إذا وضعنا قائمة نقدية دقيقة لأفضل عشرة أفلام عربية أنتجت يصعب احتواء «كفرناحوم» فيها. على أي حال، هذه هي قائمة تلك الأفلام الجيدة، معالجة وشكلاً ومضموناً، وفكراً.1- «لا أحد هناك»، أحمد مجدي (مصر): أكثر فيلم عربي إبداعاً وتوفيراً لسرد مختلف.2- «تراب الماس»، مروان حامد (مصر): المقابل الكلاسيكي للفيلم الأول، رائع في كل نواحيه.3- «فتوى»، محمود بن محمود (تونس): ضد الإرهاب عبر حكاية تكشف علاقة الأجيال.4- «إلى آخر الزمن»، ياسمين شويخ (الجزائر): قصة حب على كبر.5- «ورد مسموم»، أحمد فوي صالح (مصر): الحياة البائسة لشخصيات لا أمل لها إلا بالبقاء معاً.6- «جود مورنينج»، بهيج حجيج (لبنان): عجوزان يعاينان حال لبنان والعالم من نافذة مقهى.7- «مسافرو الحرب»، جود سعيد (لبنان، سوريا): مهاجرون من حلب تحت رحمة مستغلين.8- «في عينيا»، نجيب بلقاضي (تونس): تونسي يعود ليشرف على ابنه الصغير المصاب بالتوحد.9- «طفح الكيل»، محسن البصري (المغرب، سويسرا): دراما تقع في مستشفى بلا نظام.10- «يوم الدين»، أبوبكر شوقي (مصر): رحلة مصاب بالجذام بحثاً عن أبيه. نجاح محلي لا يلغي «هوليوود» في الصين المجاورة نجح «الموت لأجل النجاة» ليس في جمع 450 مليون دولار من السوق المحلي (لا يتجاوز سعر التذكرة في الصين أكثر من 5 دولارات في أفضل الأحوال، ما يعني أن سعر تذكرة مواز لسعره في الدول الغربية كان سيؤدي إلى نحو مليار دولار من الإيرادات) فقط، بل في تغيير قوانين للحكومة الصينية كونه تعامل، وهو إنتاج رئيسي بميزانية عالية، مع منع الحكومة أدوية فعالة في محاربة الأمراض الخطيرة، كالسرطان، لمجرد أنها مستوردة.وفي ألمانيا وروسيا والأرجنتين والبرازيل حكايات نجاح أخرى تفوقت فيها الأفلام المحلية على المستوردة من «هوليوود»، التي اعتادت أن تجد طريقاً آمناً لإنتاجها في الدول الأخرى.لا يجب أن يعني ذلك أن السينما الأمريكية تواجه أزمة أو تصطدم بجدار من الممانعة، فما تنجزه من إيرادات حول العالم ما زال الأكبر حجماً كما تبين القائمة التالية:1- Avengers: Infinity Wars ملياران و84 مليوناً و815 ألف دولار2- Black Panther: مليار و347 مليوناً و71 ألف دولار.3- Jurassic World: Fallen Kingdom: مليار و304 ملايين و866 ألف دولار.4- Incredibles Two: مليار و241 مليوناً و480 ألف دولار.5- 853Venom مليوناً و085 ألف دولار6-Mission: Impossible- Fallout 787 مليوناً و497 ألف دولار.7- Deadpool two:734 مليوناً و719 ألف دولار8 -Ant-Man and the Wasp:522 مليوناً و309 آلاف دولار.تقييم الناقد:**9- Bohemian Rhapsody: 598 مليوناً و743 ألف دولار.10- Ready Player One: 578 مليوناً و621 ألف دولار.فيما سبق من عناوين وإيرادات تتكشف حقيقة أن النجاح الأعلى لهذه الأفلام هو لنوع سينما «الكوميكس»، تلك الأفلام المستوحاة من مجلات الرسوم الشعبية التي بزغت في الأربعينات وما زالت من بين الأكثر مبيعاً إلى اليوم.هذا يتضح في «أفنجرز: حروب غير منتهية» و«بلاك بانثر» و«ديدبول 2» و«الرجل-النملة والدبور». الحال أن المفاجأة الوحيدة تتمثل في نجاح غير متوقع لفيلم «بوهيمان ريبسودي» وهو عمل غنائي وغياب «مولد نجمة» وهو غنائي آخر أفضل.
مشاركة :