بعد انتهاء العملية الانتخابية بإعلان نتائج الفائزين، ثارت العديد من التساؤلات حول مدى تأثير المقاطع التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي من نقل رجال الشرطة صناديق الاقتراع إلى مجلس الأمة، أو عدم تشميع عدد من أعضاء لجان الانتخاب الصناديق قبل نقلها، ومدى أثرها في إبطال العملية الانتخابية. وعلى الرغم من مشروعية تلك التساؤلات التي جعلها بعض نواب المجلس المنحل شماعة لعدم فوزهم في الانتخابات بحديثه عن وقائع التزوير للانتخابات، فإن الواقع القانوني لجريمة التزوير يختلف تماما عن الحديث الذي يروج له، ولا يمكن برأيي، إن صحت تلك المقاطع على النحو الذي انتشرت به دون عبث يستطيل أوراق الاقتراع، إلا اعتبارها مخالفات ارتكبتها لجان الانتخاب لصحيح القانون فقط، ولا تؤثر على سلامة العملية الانتخابية. وتلك المخالفات، وعلى فرض وقوعها حسبما أشيع، تمثل مخالفات لصحيح قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962، الذي نص في المادة 36 مكرر منه، وبكل وضوح، على أن العملية التي تعقب واقعة الفرز هي إيداع أصول المحاضر داخل الصناديق مع تشميع تلك الصناديق بالشمع الأحمر، كما أكدت الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أن يقوم رئيس كل لجنة فرعية بتسليم صندوقها إلى الأمانة العامة لمجلس الأمة، ليظل لديها إلى حين البت في الطعون الانتخابية، ثم ترسل إلى وزارة الداخلية، ومثل ذلك الحكم ينطبق على رؤساء اللجان الأصلية أو الرئيسية، بنقل الصناديق بأنفسهم الى مجلس الامة، ولا يجوز بأي حال تفويض رجال الشرطة بنقلها. ومن ثم فإن وقوع تلك المخالفات على نحوها سالف الاشارة، دون ان تؤثر على أوراق الاقتراع أو العبث بها أو تبديلها، لا تؤثر على بطلان الانتخاب في الدوائر الانتخابية التي وقعت بها، أو حتى ببطلان عضوية من تم الاعلان عن فوزهم. وعلى العكس تماما، فإذا ثبت لدى المحكمة الدستورية أن أوراق الاقتراع، وهي جوهر عملية الانتخاب، طالها العبث، ونال أوراقها التغيير والتبديل بما لا يعكس الإرادة الحقيقية للناخبين، فإنها بلاشك تقرر بطلان العملية الانتخابية التي وقعت في الدائرة، بعدما تتأكد كمحكمة موضوع من سلامة الادلة الدالة على وقائع التزوير في إرادة الناخبين، وتطمئن تماما الى أن تلك الارادة المعلنة عن صناديق الاقتراع لا تعبر عن إرادة الناخبين الحقيقية، ولا تعبر عن حقيقة من تم الاعلان عن انتخابهم وفوزهم بتلك الدائرة. ومن ثم فإن الحديث عن وقائع التزوير في صناديق الاقتراع، نتيجة حدوث بعض المخالفات التي وقعت يوم الانتخاب، يعتريه عدم الدقة، ويتعين معه أولا إثبات وقوع المخالفة التي تمت على العملية الانتخابية، وثانيا أن تقود تلك المخالفة إلى التأثير على إرادة الناخبين الحقيقية، وإزاء عدم تحقق هاتين المسألتين معا، فلا يمكن الحديث إلا عن مخالفات تنظيمية وقعت مهما كانت جسامتها، لكنها لا ترتب جزاء إبطال العملية الانتخابية في الدائرة، خصوصا أن اللجان المشرفة على عملية الانتخاب تمارس عملا إداريا محضا بالاشراف على إجراءات العملية الانتخابية، وهي عملية مركبة ببعضها حتى وإن كان من يتولى إدارة تلك اللجان قضاة واعضاء في النيابة فلا يغير من توليهم لها من طبيعتها الادارية.
مشاركة :