هل تشعل حالة ترامب المشاعر الحمائية في القارة العجوز؟

  • 11/29/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

السؤال الذي يتناقله العديد من المستثمرين هو ما إذا كان فوز دونالد ترامب يشكل خرقاً فعلياً من منظور الأسواق المالية. والجواب حتى الآن هو لا. لا يستطيع أحد تحديد الإجراءات التي سيتخذها الرئيس المنتخب بعد تسلّم منصبه، ولا حتى هو نفسه. يواجه دونالد ترامب معضلة مفادها أنه من أجل تحقيق برنامجه الإنعاشي القائم على النظرية الكينزية في الاقتصاد (500 مليار دولار تستهدف البنى التحتية)، فسيكون عليه تحمل المزيد من الديون الحكومية لتمويل ذلك البرنامج. وفي ظل هذه الظروف، سيكون على دونالد ترامب بالتأكيد أن يحنث في وعده برفع الرسوم ضد الصين؛ لأن الدولة التي تعتبر المالك الرئيسي لسندات الخزينة الأمريكية (1157 مليار دولار أمريكي كما في سبتمبر/ أيلول الماضي) قد تقرر خفض مشترياتها في حال اتخاذ خطوات عدائية بحقها من جانب الحكومة الأمريكية. إن مستوى الديون العالي الذي تتحمله الولايات المتحدة يجعلها معتمدة بشكل كبير على كرم المستثمرين الأجانب. وبالتالي، فإن تطبيق إجراءات حمائية على مستوى شامل هو أمر مستحيل. والسيناريو الذي يبدو الأكثر مصداقية هو رفع الرسوم لبعض المنتجات المستهدفة، الأمر الذي قد يرضي القاعدة الانتخابية لدونالد ترامب ويكون له ميزة تفادي الدخول في حرب تجارية مع آسيا. كما أن إعادة مفاوضة بعض المعاهدات التجارية مثل اتفاقية نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) قد تكون خياراً آخر. إلا أن الولايات المتحدة ستغامر عندها بإعادة فتح صندوق باندورا؛ لأنهم ليسوا الوحيدين الذين لهم الحق في التجارة، بل المكسيك وكندا أيضاً. لقد اختفى تأثير ترامب في الأسواق المالية بسرعة كما كان متوقعاً. والمثير للاهتمام هو أن إيطاليا وإسبانيا تبدوان أكثر عرضة للشعبوية من أي مجتمع غرب أوروبي آخر. فبعد فوز ترامب، ارتفعت عوائد السندات الإيطالية لمدة عشر سنوات بمقدار 35 نقطة مئوية، بينما ارتفعت عوائد السندات الإسبانية لعشر سنوات بمقدار 27 نقطة مئوية قبل أن تتراجعا بشكل طفيف بعد ذلك. وهذا مؤشر خطر لهاتين الدولتين؛ حيث إن الخطر السياسي يبقى عالياً جداً في أوروبا خلال الأشهر المقبلة، وذلك بسبب الاستفتاء الإيطالي والانتخابات الرئاسية في النمسا، اللذين سيحدثان في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول، بالإضافة إلى الانتخابات العامة في هولندا في مارس/ آذار 2017 التي ستؤدي لتقدم حزب الحرية برئاسة جريت وايلدرز. المناخ المالي أما بالنسبة للمناخ المالي، فهو لم يتغير بشكل كبير في الولايات المتحدة منذ التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني. فكل من المؤشر القومي للأحوال المالية (NFCI) والمؤشر القومي المعدّل للأحوال المالية (ANFCI) والذي يعتبر أكثر موثوقية، لا زال كلاهما أقل من مستويات ديسمبر 2015 عندما قام الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة مئوية. ولعل أثر ترامب الحقيقي، فيما هو أبعد من الارتفاع السطحي والمؤقت في مؤشرات أسواق الأسهم العالمية، هو أنه رفع توقعات المستثمرين بالتضخم؛ إذ يراهن السوق على أن سياسات ترامب المالية التوسعية وإجراءاته التجارية الحمائية والضوابط التي سيفرضها على هجرة العمالة سترفع من معدل التضخم إلى حد كبير أثناء فترة رئاسته. ونتيجة لذلك، فقد ارتفع معدل التضخم الاتزاني للولايات المتحدة لشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة ليصل إلى 1.97% عند 3 سنوات و2% عند 5 سنوات. وتؤيد توقعات التضخم على مدى السنوات الخمس المقبلة هذا التوجه؛ حيث إنها ارتفعت من 2.14% في بداية نوفمبر إلى 2.46% في الوقت الحالي. ويمكن المجادلة بأن أثر ترامب في التضخم يمكن ألا يحدث على الإطلاق، ولكن يجب ألا ننسى أن التوجه الضمني الذي يفسر معظم الزيادات في توقعات التضخم هو مرتبط في الحقيقة بأسعار السلع العالمية الأعلى (+0.58% في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 مقارنة بأكتوبر 2015) والخروج البطيء للصين من التضخم (وصل مؤشر سعر المُنتج إلى +1.2% في أكتوبر مقارنة بالسنة السابقة). طريق الفيدرالي واضح فوز ترامب لن يغير من قواعد اللعبة بالنسبة لسياسات النقد الأمريكية. والفرصة مفتوحة أمام الاحتياطي الفيدرالي حتى فبراير/ شباط 2018، الذي هو نهاية فترة رئاسة جانيت يلين، كي يستمر برفع أسعار الفائدة. وليس هناك احتمال في تغيير جانيت يلين قبل هذا الموعد، فالرئيس الأمريكي لا يمكنه استبدال عضو في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. وبالتالي، فإن عملية تطبيع سياسات النقد الأمريكية لن تتأثر في الأغلب بالتغييرات السياسية في واشنطن. وقد يكون رفع معدلات الفائدة في ديسمبر (بمقدار قد يصل إلى 25 نقطة مئوية كحد أعلى) الكابوس الإيطالي المشكلة الحقيقية بالنسبة للمستثمرين على المدى القريب لا تكمن في الخوف من الركود في الولايات المتحدة، بل من عودة المخاطر السياسية في إيطاليا. ويعتبر الأسبوع الأول من ديسمبر الأكثر خطورة بالنسبة لتلك الدولة ولأوروبا. فهناك بالفعل حدثان سيقعان في نفس الوقت قد يؤديان إلى زيادة التقلب في السوق: الاستفتاء الدستوري في الرابع من ديسمبر، ومحاولات إعادة رسملة بنك مونتي دي باسكي التي قد تعيد إلى الأذهان المخاوف حول القطاع المصرفي الأوروبي في حال فشلها. وتشير آخر استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها قبل الاستفتاء إلى أن اللعبة لم تنتهِ بعد. فالتصويت ب لا لا زال يتصدر بنسبة 42% من نوايا التصويت مقابل 37% للتصويت ب نعم. ولكن، وكما كان الحال وقت الاستفتاء في المملكة المتحدة، فإن المصوتين الإيطاليين الذين لم يحددوا وجهتهم بعد (ونسبتهم 21% من نوايا التصويت) سيكونون هم الفيصل في التصويت. في منتصف نوفمبر، تلقى رئيس الوزراء رينزي دعماً غير متوقع من بروكسل. فإيطاليا، التي لا يُتوقع أن تكون قادرة على سد أهداف العجز لديها، سواء هذا العام أو عام 2017 سوف تكون على الأرجح المستفيد الرئيسي من تغيير رأي الاتحاد الأوروبي حول التحفيز المالي. إلا أن هذا قد لا يكون كافياً لفوز الحزب الديمقراطي في الاستفتاء؛ بسبب ارتفاع مستويات الشعبوية والمشاعر المناهضة للمؤسسات الحكومية في كامل أوروبا وخاصة في إيطاليا. وإذا ما أُجبر رئيس الوزراء رينزي على الاستقالة وفشلت محاولات إعادة رسملة بنك مونتي دي باسكي، فإننا نتوقع أن ترتفع فروق سعر العملة بالنسبة لإيطاليا بعشرات النقاط المئوية، وأن تدخل تطلعات تصنيف إيطاليا الائتماني في الجانب السلبي (تصنيفها حالياً هو BBB- مع تطلعات مستقرة حسب ستاندرد آند بور). إلا أن خطر انتقال هذه العدوى إلى دول أوروبية أخرى محدود. كريستوفر ديمبك رئيس قسم التحليلات الشاملة فيساكسو بنك

مشاركة :